بوعشرين: الدرجة الصفر في السياسة

بقلم توفيق بوعشرين: مدير نشر أخبار اليوم المغربية

“ناديت على الملك أربع مرات لأسلمه رسالة ولم يسمعني، فرميتها بالقرب منه، وهذا عمل لا عيب فيه”، هكذا صرح محمد قوبة، البرلماني عن حزب الاتحاد الدستوري، في حوار مع هذه الجريدة أمس. ما هو الأمر الخطير الذي دفع هذا البرلماني المحترم لكي يرمي رسالة إلى الملك في قلب البرلمان، ويستنفر الحرس ويربك البروتوكول كما يفعل من يُطلق عليهم لقب “السمايرية”، أي أولئك الذين يتربصون بالملك في الشوارع والطرقات؟ ممثل الأمة هذا لديه مشكل خطير وهو أن مدير وكالة بنكية رفض إعطاء ابنته قرضا بنكيا لتسيير شركتها.. هذه الحادثة ليست طريفة فقط وتدخل في كتاب نوادر البرلمان العديدة.. بل إنها واقعة مليئة بالدلالات وتكشف عن تصور قطاعات واسعة من النخبة البرلمانية لعملهم ووظيفتهم، حيث إنهم لا يرون أنفسهم ممثلين للأمة ولتصور سياسي أو برنامجي أو إيديولوجي معين.

هذا البرلماني الذي كتب رسالة للملك حول مشكل شخصي يتعرض له الآلاف كل يوم، ورماها في اتجاهه يوم افتتاح البرلمان، متصورا أن هذه أنجع طريقة لقضاء حاجته والقفز فوق ما يعتبره حواجز بيروقراطية، يعبر سلوكه عن ثقافة سياسية متخلفة تعتبر أن وظيفة البرلماني هي الدفاع عن مصالحه الشخصية أو القبلية أو العشائرية أو المحلية، والواقع أن هذه الثقافة ساهمت الدولة في ترسيخها عندما أفقدت البرلمان قيمته في التشريع والمراقبة، وأفرغته من مضمونه السياسي، وحولته إلى أداة في يد الأعيان لخدمة مصالحهم، وربط علاقات مع الوزراء لقضاء حاجاتهم.

ثم إن إقدام ممثل الأمة هذا على مخاطبة الملك، أعلى سلطة في البلاد، تحت قبة البرلمان عن طريق الرسائل الطائرة هو تعبير عن درجة وعي جزء من النخبة البرلمانية، والذي لا يختلف في شيء عن وعي الفئات المحرومة والجاهلة، والتي تعتبر أن أسهل وأنجع طريقة للوصول إلى مرادها هي بعث رسالة إلى الملك، أو الارتماء بين يديه من أجل قضاء غرضها. وهكذا، وفي الوقت الذي يطمح فيه جزء من المغاربة إلى الوصول إلى ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ويلعب دور الحكم بعيدا عن الإدارة اليومية للملفات والقضايا والمشاكل.. مازال السيد محمد قوبة، البرلماني الذي ينتمي إلى التحالف من أجل الديمقراطية، يعول على تدخل الملك في نزاع نشب بين ابنته ومدير جهوي لبنك في بن أحمد.. إنها مفارقة صادمة لكنها تعبر عن الواقع عاريا كما هو.. واقع سياسي لا ينتج النخب بل يفرز السمايرية الذين يتحينون الفرص لبعث الرسائل إلى الملك. لا أعرف هل شعر سكان بن أحمد بالإهانة عندما قرؤوا أو سمعوا أن البرلماني ابن دائرتهم هو من خلق الحدث يوم الجمعة الماضي عندما جعل حراس الملك ينهرونه ويوبخونه.

Read Previous

رحيل الفنانة حبيبة المدكوري إلى دار البقاء

Read Next

أسرار لقاء بن كيران مع رجال أعمال مهمين في الدار البيضاء