بالصور: تفاصيل احتفاء أسرة الأمن الوطني بأبنائها المتفوقين دراسيا ورياضيا وفنيا
بقلم : الصحافي مرشد الدراجي
في خطاب الذكرى 36 للمسيرة الخضراء، أكد الملك على أن الرهان الحقيقي، الذي ينبغي كسبه، في المرحلة السياسية الحالية، ليس هو اعتبار انتخابات 25 نونبر مجرد تنافس حزبي مشروع، للفوز بأكبر عدد من المقاعد، بل هو الارتقاء بها إلى معركة وطنية نوعية، حول اختيار أفضل البرامج والنخب المؤهلة.
الظاهر أن الجميع ظل يشدد على ضرورة نجاح المغرب في تدبير محطة الانتخابات التشريعية والتمكن من تشكيل حكومة وبرلمان جديدين، يقطعان مع الماضي، ويكونان منبثقين من روح نص الدستور الجديد، ويستمدان شرعيتهما منه في جو من الشفافية والنزاهة والمسؤولية وبروح مواطنة، وتحمل المسؤولية التاريخية، وجعل المصالح العليا للبلاد فوق كل اعتبار، وتفعيل آليات تخليق العمل السياسي والبرلماني. لكن هذا الكلام ما يزال يكذبه بامتياز واقع حال الممارسة الفعلية.
وقبل هذا وذاك، وجبت الإجابة على التساؤل العريض والمشروع للشعب: ماذا ينتظر المغاربة من الانتخابات التشريعية لـ 25 نونبر، التي يبدو أنهم يراهنون عليها لجعل المغرب استثناء في العالم العربي ونموذج ديمقراطي متميز كفيل بتحقيق السلم الاجتماعي والاستقرار الشامل في ظل ضمان شروط العيش الكريم لكافة المغاربة؟
لعل ما يثير المواطن المغربي، مع كل منعطف سياسي وانتخابي جديد، بل يثير جدلا واسعا داخل الأوساط الشعبية والنخب على اختلافها، هو عودة الوجوه نفسها إلى قبة البرلمان، بل الأسماء ذاتها التي أثارت جعجعة في طحين بسلوكاتها المنافية تماما للعهد الجديد، لتتكرر معها، بالتالي، السيناريوهات نفسها التي ستجعل الجبل يترنح لينجب ارتباكا للمسار الديمقراطي الذي تراهن عليه بلادنا في ظل الدستور الجديد، الذي ساهم فيه حراك الشارع المغربي، وأيضا في ظل ثورات الربيع العربي.
في البداية، أراد من أراد وكره من كره، أن الأغلبية الساحقة للمغاربة لا علاقة لها بالأحزاب رغم كثرتها، وهنا تكمن مهزلة الركح السياسي المغربي، ولعل ما يضفي على هذا الركح أسطوانات مسرحيات مشروخة، هو تكرار المهازل نفسها التي كان أبطالها نوابا للأمة في المراحل السابقة، والذين سيمارسون، بلا شك، ضغوطاتهم للظفر بكرسي داخل قبة البرلمان.
ومن هذه الممارسات، التي تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن “حليمة ما تزال على عادتها القديمة”، وقد تجلى هذا بوضوح كمثال بمدن عديدة ببلادنا، في لهث عدد من الكائنات الانتخابية الفاسدة وراء التربع على رأس اللوائح الانتخابية. وقد تبين أن الوجوه هي ذاتها وأن المال وسلطته ونفوذه وشراء الذمم، مظاهر ما تزال مستشرية داخل المجتمع، مما يرسخ واقع الحال والانتظارية والغموض والضبابية في الحياة السياسية والبرلمانية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد ديناميكية الثقة ويهدم الفرص التي تطرحها الإصلاحات الجديدة.
فلكي تكون انتخابات 25 نونبر خارطة طريق لتنزيل روح الدستور الجديد، والمرور إلى مرحلة الإصلاحات الجذرية، يفترض أن تكون العملية الجراحية الأولى التي يجب أن يخضع لها المغرب من أجل استئصال عدد كبير من الأورام السرطانية التي تنهك جسد البرلمان منذ عقود، هذه الأورام السرطانية ينثرها ثلة من الأشخاص/البرلمانيين بعينهم ظلوا جاثمين على هذا الجسد ينهكونه ولا يتركونه يفعل أي شيء، إن هذه الأورام يمثلها هذا البرلماني الذي لا يتوانى في الجري وراء الحصول على الحصانة البرلمانية لتهريب الأموال، وذاك البرلماني الذي استعمل ماله وجاهه لشراء ذمم المواطنين البسطاء واستغل جوعهم وسذاجتهم في بعض الأحيان ليصل على أكتافهم، والبرلماني الذي سمح لنفسه أم يكون ورقة أو رقما مزورا داخل البرلمان، ثم البرلماني أو البرلمانيين الذين تورطوا في أكبر ملفات الاتجار في المخدرات، والبرلمانيين الذين اعتادوا على الترحال السياسي والحزبي بحسب ما تقتضيه مصالحهم الشخصية والذاتية، ثم البرلمانيين الذين تورطوا في فضائح الإرشاء والارتشاء، و برلمانيي الصفقات المشبوهة، كما بتنا نسمع اليوم حديثا عن برلماني في حالة فرار، وبرلمانيين تحولوا إلى أشباح من فرط تغيبهم عن حضور الجلسات وأشغال البرلمان.
وهناك برلمانيون عمروا داخل القبة لربع قرن وما يزيد، حتى صاروا وجوها بالية وقديمة، كما أن هناك كائنات برلمانية من الأجيال الأخرى التي استطاعت اللحاق بالنخبة المتحكمة، سواء بفضل النسب أو التوريث أو المساومة والتزوير، ولم يستطيعوا التبرؤ من جلابيب آبائهم الأوصياء عليهم في السياسة والنفوذ، وبالتالي سقطوا في فخ الاستمرار في التقليد والتبعية بصورة جديدة، أنها وجوه جديدة ولكن بعقليات قديمة.
إن وقفة تأمل طويلة تفضي على نتيجة مفادها أنه إذا تمت انتخابات 25 نونبر، وعادت الوجوه والكائنات نفسها والأورام السرطانية ذاتها إلى قبة البرلمان، فإن المغاربة سيحسون بحالة يأس شديد في تاريخهم، حالة يأس يعلم الله كيف ستكون عواقبها ونتائجها.
ولكي لا نصل إلى حالة اليأس هذه يجب على الشعب المغربي أن يكون في موعد مع التاريخ يوم 25 نونبر، ويعمل على انتخاب الأشخاص الذين يستحقون أن يكونوا حقا ممثلين للأمة ونوابا صادقين مخلصين للشعب ولمن يمثلوهم في البرلمان.
يجب أن نصوت للتغيير والشباب الذين يخافون على مصير البلاد وثرواتها وخيراتها، لقد دقت ساعة الحقيقية ويجب أن نرى برلمانا مشرفا للمغاربة لأول مرة في تاريخهم، برلمان خال من كل أصحاب الشوائب التي تسيء إلى الأمة المغربية العريقة. فليس هناك خيار آخر لضمان الاستقرار غير إرساء ديمقراطية حقيقية وإنصاف المهمشين وشن الحرب ضد الفساد والمفسدين وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لاختيار ممثلي الشعب.
كما أن المؤسسات المنبثقة من الدستور الجديد، ستكون في حاجة ماسة إلى عقليات جديدة ونخب جديدة ورجال جدد، لأن الديمقراطية في حاجة لديمقراطيين، ولا ديمقراطية بأنصاف الديمقراطيين أو “منافقين ديمقراطي”.
فهناك تساؤلات ضخمة تنتظر أجوبة ومنها: إلى أي مدى ستستجيب الاستحقاقات القادمة لمتطلبات المرحلة بأبعادها السياسية والحقوقية والاجتماعية الداخلية، ثم المؤثرات الإقليمية والدولية ما دامت الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة لتفعيل فحوى الدستور بما له وما عليه؟ وإلى أي حد ستنسجم على مستوى إجراءات الثقة، بما فيها محاربة الفساد ومحاكمة المفسدين والقضاء نهائيا على سياسة الريع ووضع حد للامتيازات بمختلف أشكالها بما يضمن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الاجتماعية، حتى نضمن نسبة مقبولة بخصوص المشاركة في الاقتراع، والمشاركة الإيجابية بخصوص المشاركة في الانتخابات.
ومهما يكن، فإن المغرب والمغاربة سيكونون أمام انتخابات برهانات حقيقية وأمام ظروف معقدة جدا وخطيرة يمر بها العالم العربي في ظل حراك شبابي خارج دائرة اللعبة السياسية. فالمفروض إذن، أن تقدم هذه الانتخابات إجابة حقيقية على كل التساؤلات المطروحة وما أكثرها وأعوصها وكلها تشكل معضلات استعصى حلها إلى حد الآن.
فهل ستكون انتخابات 25 نونبر حاسمة فعلا لتنتصر في صراع الحق والباطل؟