بالصور: تفاصيل احتفاء أسرة الأمن الوطني بأبنائها المتفوقين دراسيا ورياضيا وفنيا
رغم المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية في سباق المساواة مع الرجل إلا أن المجتمع المغربي مازال محكوما بأفكار تقليدية تعاقب المرأة التي “تجرأت” على ربط علاقات قبل الزواج فيما تعتبر ذلك في حالة الرجل “طيشا وشقاوة”.
بدأت القصة بإعجاب ثم لقاء ثم تواعد على الزواج حمل نورة إلى عالم وردي رسمته رفقة حبها الأول…لكنها لم تتوقع أن تكون نهاية القصة معاناة ستلازمها إلى الأبد. بعد حب من النظرة الأولى تلته لقاءات تقدم رشيد ليطلب يد حبيبته للزواج، خطوة جعلتها تثق بنواياه، هو الذي ما فتئ يعبر لها عن حبه الكبير ورغبته في أن تكون زوجة، ليتطور الأمر إلى علاقات نتج عنها حمل رفض أن يعترف به الوالد معتبرا أن” من سلمت نفسها لرجل قد تفعل ذلك مع آخرين” وبالتالي فالحمل قد يكون من رجل آخر. وتقول قريبة نورة لـدويتشه فيله إن أصدقاءه عززوا هذه الفكرة في ذهنه بسبب نظرة المجتمع للمرأة التي تقيم علاقات قبل الزواج على أنها بالضرورة امرأة “منحرفة”.
“العفة” شرط أساسي
نورة التي تلقت صدمة حياتها من رجل اعتبرته حب حياتها، لم تجد بدا من طريق المحاكم لتأخذ حقها أمام إصرار الرجل على أنه ليس والد الطفل، ورغم أن نتائج الحمض النووي أثبتت نسبه إليه إلا أنه ظل يرفض هذا الطفل. بل أكثر من ذلك فقد ظل يعاملها وكأنها “حشرة” حسب تعبير قريبتها، خلال الفترة القصيرة التي عاشتها معه بعدما حكمت المحكمة عليه بأن يتزوجها و يصرف عليها.
واليوم تعيش نورة وضعا لا تحسد عليه فقد اضطرت لطلب الطلاق بسبب سوء معاملة الزوج لها ولطفلهما ويئسها من أن يتغير موقفه. ولا تستبعد قريبة نورة أن يكون من أسباب وفاة والدها “حزنه العميق” فهو لم يستطع الصمود كثيرا أمام نظرات الناس وأقاويلهم و”تشفيهم” أحيانا.
ومنذ أشهر قليلة اهتزت قرية جنوب المغرب على وقع مفاجأة خلقها “عريس” شاب حينما أقدم على طرد عروسه وأهلها من حفل الزفاف، لأنها غير “عذراء” بل وطلب منهم تعويضه على كل مصاريف العرس الذي أقامه بسبب “الإهانة الكبيرة” التي ألحقتها به ابنتهم. و رغم أن تقرير الطبيب أكد بأن العروس مازالت بكرا، إلا أن الشاب ظل على موقفه وحكم بذلك على هذه الشابة بأن تعيش تحت رحمة مجتمع يحمل نظرة سلبية للمرأة المطلقة خاصة إن كان سبب هذا الطلاق “شرفها “.
قصة نورة وسعيدة نموذجان لمئات القصص التي تحدث حتى الآن في قرى المغرب ومدنه وسببها واحد، نظرة المجتمع التقليدي إلى كل من أقامت علاقات قبل الزواج على أنها امرأة “منحرفة” ولا تصلح لأن تبني عش الزوجية، خاصة أن المجتمع المغربي يعطي الدور الرئيسي للمرأة في تنئشة وتربية الأطفال، في حين قد لا يتعامل المجتمع دائما بنفس المبدأ مع الرجل.
حلال علينا حرام عليكم
ورغم أن الدين الإسلامي الذي تدين به الأغلبية الساحقة من المغاربة يحرم العلاقات بين الرجل والمرأة قبل الزواج على الجنسين معا، إلا أن فئات من المجتمع المغربي مازالت تنظر إلى المرأة على أنها بالخصوص ممنوعة من إقامة علاقات قبل الزواج خوفا من أن تخسر شرفها وسمعتها. وهو ما تنظر إليه بعض النسوة على أنه” تمييز واضح” لصالح الرجل. فيما يعتبر بعض الرجال أن المرأة يجب أن تبقى “طاهرة وعفيفة” حتى تلقن هذه القيم لأبنائها الذين تقضي معهم وقتا أكثر من الرجل.
يوسف شاب مغربي لا يقبل الارتباط من امرأة كانت لها تجارب سابقة وبالخصوص إن لم تكن “عذراء”، وذلك “لأن فكرة أن هناك من سبق الرجل إلى جسد زوجته لا تحتمل، وسيتذكرها كلما كان مع زوجته أو كلما رأى هذا الرجل”، ورغم أن يوسف يعترف بأنه سبق وكانت له علاقات سابقة، ويعي بأن موقفه “متناقض إلى حد ما” لكنه يقول إنه “رجل” وهناك فرق بين المرأة و الرجل في هذا الموضوع ينطلق أساسا من أن المرأة “تخسر الكثير إذا أقامت علاقة مع رجل بينما الأخير لا”.
أفكار “متخلفة”
وأمام هذه النظرة “السلبية” قررت فتيات اللجوء إلى عمليات ترقيع البكارة التي انتشرت وأصبحت تثير جدلا في المغرب. وذلك من أجل إرضاء المجتمع الذي يعتبرها شرطا أساسيا للزواج من امرأة. لكن سارة إيجابي شابة عازبة في عقدها الثاني لن تتردد كما تقول لدويتشه فيله في خوض علاقة جنسية مع رجل شريطة أن تحبه لأن “الحب هو الركيزة الأساسية للعلاقة الجنسية كما أنه من الأفضل أن تكون للمرأة تجارب قبل الزواج كيفما كانت نوعيتها” وتضيف سارة”مبدئيا لا أمانع في ذلك لكن عمليا قد أتردد وسيكون حينها المانع دينيا وليس سببا آخر” وسارة على أتم الاستعداد لتخبر زوج المستقبل بأي تجربة قد تخوضها قبل ارتباطها به.
وتقول سارة في هذا السياق”أنا أساسا أرفض الارتباط بشريك يرفض تقبل ماضي” وتعتبر الشابة المغربية أن المرأة تطالب بالمساواة مع الرجل ويمكن القول إنها حققتها في عدد من المجالات ونحن مازلنا نتحدث في هذه الأمور”. وترجع السبب في ذلك إلى العقلية الذكورية التي تتحكم في المجتمع المغربي.
من جانبه يعتقد سامي المودني، شاب مغربي أنه لن يكترث بماضي شريكته بما أنه كان يعيش حريته قبل الزواج كذلك، والمهم بالنسبة لسامي هو الإخلاص في العلاقة الزوجية. ويعتقد الشاب المغربي أنه من الواجب نبذ الأفكار التي تكسر حرية الفرد خصوصا “الأنثى لمجرد أنها أنثى” كما يعتبر خلال حديثه مع دويتشه فيله أنه ينبغي تجاوز هذه الثقافة لأنها “لا تراعي العصر ولا الشروط الموضوعية التي نعيش فيها”.
مجتمع ذكوري
ويعتقد اسماعيل منقاري أستاذ علم الإجتماع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، أن السبب في هذه الأفكار هي عقلية المجتمع المغربي الذكورية. ويقول المحلل الاجتماعي خلال حديثه مع دويتشه فيله “نحن في مجتمع ذكوري أبوي تتحكم فيه النزعة الجنسية أكثر من أي شيء” ويضيف أن الحديث عن المرأة في مجتمع تقليدي كالمجتمع المغربي ينطوي تحت “تشييئها”(توحيلها إلى شيء مادي)، حيث أن سلوكاتها لا تعنيها بل تعني الرجل سواء كان هذا الأخير زوجها أو أباها أو أخاها، وبالتالي فهي يجب أن تتقيد بالدور الذي رسمه لها هذا الرجل في المجتمع، في إطار قيم وضوابط هو من يحددها. وهذا ما يفسر نظرة هذا المجتمع الذكوري إلى كل من تخرج عن هذه “القيم” بأنها منبوذة و”بأنها شيء مستعمل وعادة الشيء المستعمل لا يلجأ إليه” بينما هو (الرجل) دخوله في علاقات قبل الزواج يدخل ضمن خصاله الإيجابية.
وتقوم عدة مبادرات من قبل هيئات المجتمع من أجل التوعية مجتمع وخاصة الشباب بالآثار السلبية لهذه الظاهرة، بيد أن تلك المبادرات تتركز غالبا في كبريات المدن، فيما تعتبر المعظلة الكبيرة تلك التي تواجهها فئات واسعة من الفتيات والشبان الذين يوجدون في قرى ومدن صغيرة أو بوادي، تنتشر فيها الأفكار والعادات التي تقيد حرية المرأة وتنتقص من مكانتها ودورها. ويقول منقاري “مثل هذه الأفكار لا يمكن محاربتها في إطار توعوي منظم و متفق عليه لأنها تتجاوز ذلك إلى ثقافة المجتمع. وتغييرها مرتبط بتطور هذا المجتمع ويشير منقاري إلى أن المجتمع المغربي بدأ يعرف تغييرات في هذا الإطار حيث إن بعض الشباب تحرروا من مثل هذه الأفكار التقليدية ومنهم من يدخل في علاقات عاطفية أو حتى جنسية تنتهي بالزواج.
موقع “دويتشه فيله”