سنة 2024: التزام قوي ودور فاعل للمغرب داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي
بينما كانت الحركات الإسلامية تعاني الأمرين في مصر وسوريا وتونس لقيت جبهة العمل الإسلامي كثيرا من التدليل والاحتضان من الحكومات الأردنية المتعاقبة، وفي الوقت الذي عاشت فيه زعامات الإخوان المسلمين حالات المطاردة والتعقب كان الإسلاميون في الأردن يصولون ويجولون في مجلس النواب ويتخيرون ما يناسب أهدافهم من وزارات، وما زالت بصماتهم تصبغ بصورة سلبية المناهج التعليمية الأردنية لتكون مثالا لضيق الأفق والأحادية والتعصب، واليوم تتبادر مع أزمة المفرق المختلقة أسئلة كثيرة حول الإخوان ومستقبلهم السياسي.
غزوة الإخوان في المفرق يمكن أن تجني بعضا من الثمار القريبة ولكنها ستضعهم في الحرج على المدى البعيد، فحالة المقاومة الشديدة من أبناء سلحوب والمفرق تظهر محدودية وجود الإخوان ضمن حزام ضيق جغرافيا، كثيف سكانيا، في الأردن، وإذا جرى استثناء المخيمات التي نبذت الإخوان سابقا، فإن مناصريهم يتركزون في الطبقة الوسطى بالمدن الرئيسية، وبالمناسبة فإن القاعدة التي تحملهم للحصول على حصة من المقاعد البرلمانية ليست منتظمة سياسيا ولا تتسم أصلا بفكرة الولاء السياسي، وإنما تراهم بديلا سياسيا يحقق مصالحها في الحفاظ على مكتسباتها الاجتماعية والاقتصادية، فلماذا تتطلع الحركة اليوم إلى الأطراف التي حسمت خياراتها سياسيا منذ زمن، إن لم يكن في الأمر ما لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من قادة الجماعة.
في المفرق وجرش حراك شعبي غير ممنهج يطالب بمحاربة الفساد ويراه الآفة الأساسية التي تواجه الدولة الأردنية، والإخوان تاريخيا لم يعرف بأنهم جبهة اهتمت كثيرا بمطاردة الفساد والعمل على اقتلاعه، فالفساد في الأردن لم يظهر بالأمس، وفي فترة ما استطاعت حركة الإخوان فيها الحصول على حصة واسعة من التأييد الشعبي لم تضع الحركة محاربة الفساد ضمن أولوياتها، ولم يكن الإخوان يزأرون تحت قبة المجلس النيابي مطالبين برؤوس الفاسدين، وإنما تقدم لهذه المهمة نواب لا ينتمون للحركة من قريب أو بعيد، أو يتناقضون معها فكريا وأيديولوجيا.
ما حدث في المفرق كان متوقعا، ولعله أقل من السيناريوهات التي بحث عنها الإخوان في غزوتهم لعقر منطقة عشائرية تقوم على العفوية في التعاطي مع الشأن السياسي، ولم تتلوث بعد بالحسابات والمؤامرات، فلماذا الإصرار على التظاهر في اليوم التالي أمام مقر الحكومة الأردنية، ومحاولة اقتحامه، وما هي السيناريوهات التي أرادها الإخوان، وأين الوضع برمته لو أنهم نجحوا بصورة أو بأخرى في اقتحام مقر الحكومة، وأين كانوا سيضعون البلد برمته وبينما المشاهدون حول العالم يتابعون أنصارهم وهم يتجولون بين المكاتب ويعبثون بمحتوياتها.
قبل فترة وجه مهدي عاكف القيادي الإخواني البارز رسالة إلى الجماعة التي انتوت أن تقدم العين عبد المجيد ذنيبات لمحاكمة داخلية لقبوله المشاركة في مجلس الأعيان ونصا قال عاكف إن منصب العينية «مكرمة ملكية لا ترد، وأن الملك خط أحمر والأردن هو بمثابة واحة الأمان لجماعة الإخوان المسلمين وذلك مقارنة بدول أخرى».، وعلى الرغم من ذلك لم يقم الإخوان في الأردن بإلغاء المحكمة وإنما تأجيلها، والواضح أن الحديث عن إخوان الأردن بوضعهم الراهن يجعلهم بعيدين عن الإخوان كحركة إسلامية نهضوية، وتصنفهم ضمن مجرد الحركة السياسية المحلية التي تسعى إلى الغنائم المحدودة دون النظر إلى المغارم، في ظل سلوك (نزوي) قائم على ممارسات غير منضطبة من بعض القيادات الإخوانية في الأردن.
إن مراجعة الإخوان لمسيرتهم ونقدها ذاتيا مسألة غير ممكنة اليوم في ظل تركيبة قيادتهم في الأردن، ولكن على الضمير العالمي للإخوان، أو التنظيم العالمي المستتر لأسباب سياسية ولوجستية أن يتحرك وأن يؤنب إخوان الأردن أو يرفع غطاءه عنهم لخروجهم بالفتنة والتأليب، الأمر الذي يتناقض مع الأفكار المؤسسة للجماعة.
بقلم: سامح المحاريق، جريدة الرأي الأردنية