بقلم: مرشد الدراجي: صحافي مغربي
إن المتأمل في الحفل الديني الذي أحياه جلالة الملك، بمناسبة ذكرى المولد النبوي، سيرا على نهج أسلافه وأجداده، سيلاحظ منذ الوهلة الأولى كيف كان تفاعل وزراء العدالة والتنمية، مع طقوس تلك الليلة البهية، فبين من ضل ممسكا بالكتيب الحاوي للمتن الذي كان يتلوه مجموعة المسمّعين الذين أثثوا رحاب المسجد الأعظم، وزينوه بأصواتهم، دون أن يحرك شفتيه، كما هو الشأن لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، والذي كان يسرق البصر بين الفينة والأخرى لينظر إلى الملك، نفس الحال ظل عليه مصطفى الرميد وسعد الدين العثماني، هذا الأخير الذي أمسك كتاب المتن، دون أن يظهر عليه أي تفاعل، مع تلك الليلة وما يصاحبها من طقوس روحانية، وأي شاهد على أول حفل ديني تحضره الحكومة نصف الملتحية، سيظهر له أن الإسلاميين بدوا وكأنهم مجبرين على تحمل طقوس لهم مواقف مسبقة منها، فمنهم من اختار التمويه كما ذكرت، درءا للشبهات، ومنهم من أصر على عدم التنازل عن عقيدته، حتى وإن ارتدى جلبابا مخزنيا، بعد أن أضحى وزيرا، يجب عليه كما على غيره مسايرة البرتوكول والطقوس المخزنية، كما هو حال الحبيب الشوباني، والذي اختار أن يعبر عن موقفه جهرا فلم يذكر ذكرا ولم يقرأ متنا، فبدا الرجل وكأنه يستنكر في نفسه ما يدور حوله، ويرسل رسالة يعتبر فيها أن لضرورة الاستوزار، أحكاما، قياسا على القاعدة الأصولية المشهورة , الضرورة تبيح المحظورات.
إن أول محطة دينية جمعت بين الملك والإسلاميين، أظهرت حجم الهوة الحاصلة بين الطرفين، ففي هذه المحطة مثلا، ذكرى المولد النبوي الشريف، فإمارة المؤمنين تنطلق في إحيائها للذكرى البهية، مما تجسده من محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم له، وتعتبر أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يتخذ أبعادا وطنية ورموزا روحية سنية تجعل في جوهر الإيمان محبة الرسول الأكرم ومحبة آل بيته الأشراف، لذلك فهي تسهر على تزيين المساجد بحلقات الذكر ودراسة السيرة النبوية العطرة وسماع شمائله الشريفة عليه الصلاة والسلام، وهذا يأتي في صميم الوظيفة الأسمى لإمارة المؤمنين، حيث تظل الدعامة الأساسية للوحدة الوطنية، والضمانة الفعلية والواقعية لتحقيق أمن المغاربة الروحي والسياسي، أما حزب العدالة والتنمية ومن خلال حركة التوحيد والإصلاح، فيعتبر أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة لا أصل لها، وأن تخصيص يوم المولد بدراسة السيرة، أو سماع أو ذكر، فإنما هو من المحدثات، وحتى بالموقع الإليكتروني للحزب، لن تجد لا تهنئة بهذه المناسبة، ولا حتى إشارة طفيفة للذكرى، كما هو الشأن لمظلتهم الروحية، حركة التوحيد والإصلاح والذي ترأسها رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران سابقا، فلا أثر للذكرى.
وسيظهر جليا في المستقبل من الأيام، مدى الاختلاف الحاصل بين عقيدة إمارة المؤمنين، وبين منهج العدالة والتنمية، في أمور الدين، والأمثلة كثيرة، يكفي أن نستحضر ما تخصصه مؤسسة إمارة المؤمنين، من وافر العناية، للأضرحة والزوايا في المغرب، ولشيوخها وملتقياتهم الروحية والفكرية، والسهر على إحياء المناسبات الدينية بمختلف أضرحة ومزارات صلحاء وأولياء المملكة المغربية، حيث تشكل ثروة روحية، وجب استثمار رصيدها القيمي، الذي يسهم في تأمين حاجيات البلاد الروحية والأخلاقية، و في تعميق الشعور بالمسؤولية الوطنية الصادقة، وفي ترسيخ فضائل التدين الوسطي المعتدل.
وإذا ما بحثت أو سألت عن اعتقاد أهل العدالة والتنمية فيما سلف، فستجد أنهم يعتبرونها عادة سيئة موروثة عن الأجداد مازالت تُحكم قبضتها على العديد من المغاربة، بل منهم من يعتبره نوعا من الشرك، لم ينزل الله به من سلطان، وأنه من سراب الغلو في الأشخاص وتقديس المشاهد والقباب والقبور، الذي يحدث الانحراف العقدي والتمزق النفسي والشذوذ الفكري.
فهل سيبطل وزراء العدالة والتنمية عقيدتهم ؟ أم ماذا هم فاعلون؟