بقلم: يونس مجاهد، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية
حضرت اللقاء الذي نظم للرئيس التونسي، منصف المرزوقي، يوم 8 فبراير الأخير، مع شخصيات رسمية وحزبية ومن منظمات المجتمع المدني، في إطار زيارته للمغرب، وتأكد لي ما كنت مقتنعا به منذ مدة ليست بالقصيرة، وهي أن لا مستقبل لأي بلد مغاربي، في إطاره القطري الضيق. وكنت في فكرتي أنطلق من النموذج الجزائري، كي أؤكد قناعتي، لأن هذا البلد الغني بالبترول، وخاصة بالغاز، يقدم الدليل القاطع على فشل أية محاولة تنموية أحادية، لكل بلد مغاربي، في انعزال عن البلدان الأخرى، التي تشكل هذا الفضاء.
وما يقال عن الجزائر يصح أيضا عن البلدان المغاربية الأخرى، مثل ليبيا التي لم يخلصها الإشباع البترولي من براثن التخلف، كما لم يخلص المغرب وتونس، رغم كل المحاولات اليائسة من صناعة وخدمات وفلاحة وسياحة… والفكرة التي قادتني في قناعتي، يعرفها الجميع، وهي أنه من الصعوبة تصور تنمية حقيقية في بلدان صغيرة، فالعالم يتوجه نحو الأقطاب الكبرى، و لنا في الاتحاد الأوروبي مثال قريب وواضح وسهل الإدراك.
لابد من وجود سوق كبيرة ومستهلكين يتجاوزون المائة مليون من السكان، وتكامل اقتصادي وقدرة على التنافسية مع أقطاب أخرى، وموازين قوى كافية في المفاوضات مع المجموعات الاقتصادية والقوى العظمى ومع المؤسسات المالية العالمية… هذه هي الشروط الدنيا للتنمية، وهي ما يفتقده الفضاء المغاربي. لذلك يبدو مشروع اتحاد دوله مقبولا وفكرة واضحة ولا تحتاج إلى جهد كبير للإقناع.
طبعا، قد يرد على هذا المنطق من يعتبر أن غياب الديمقراطية في هذه البلدان، هو العنصر الرئيسي الذي يفسر التخلف، وهذا في نظري أيضا تحليل صحيح أيضا، لأن الفساد السياسي والاقتصادي أدى إلى استحواذ طبقة من المنتفعين على مقاليد الحكم وعلى الثروات، ولضمان مصالحهم نسجوا شبكة من الزبناء وحموها بأجهزة قمعية، قضت على كل الطاقات المبدعة والخلاقة، في كل المجالات.
لكننا إذا تمعنا في المنطقين، أي البعد المغاربي والديمقراطية، سنجدهما متكاملين، لأن الشعوب التي تقرر مصيرها، ستختار حكاما ديمقراطيين، لا يخدمون فئة من الكولونيلات والجنرالات وضباط الشرطة، التي لا يمكنها إدامة هيمنتها دون انعزال، ودون اختلاق الأعداء الوهميين لتبرير الصلاحيات والسلطات والتمويلات. وهذا ما تجسده الجزائر بامتياز وما تتقاسمه البلدان المغاربية الأخرى بتفاوت.
وستختار الشعوب كذلك البعد المغاربي بموازاة مع الديمقراطية، فعندما يقترح المرزوقي تفعيل برلمان مغاربي، وفضاء على شاكلة الاتحاد الأوروبي، فهذا يفترض انتخابات ديمقراطية وصلاحيات حقيقية للمجالس التشريعية، أي أن كلمة الشعوب لن تزور ولن تحرف، وستنحاز حتما نحو التكامل والاتحاد، ضد الانعزال، الذي هو في الحقيقة تجسيد لاستمرار للخريطة الاستعمارية في المنطقة.
وصدق الرئيس التونسي عندما قال إن الشعوب أصبحت غير متسامحة مع من يقف ضد طموحاتها، فهذا هو ما أنتجه “الربيع العربي”، وهو ما يمكن أن يساءل حوله حكام الجزائر، هل شعب هذا البلد اختار الانعزال، ومساندة كيان وهمي وقزمي، وإقفال الحدود مع المغرب؟ أم أن الجذوة الحقيقية الثاوية لدى هذا الشعب لا تختلف عن الشعوب المغاربية الأخرى، تواقة إلى الاتحاد والتكامل وتجاوز النزاعات المفتعلة، الموروثة عن الاستعمار؟
لقد صدق المرزوقي حين قال “لا مستقبل لتونس في تونس”، ولا مستقبل للبلدان المغاربية الأخرى خارج اتحادها، هذا هو منطق التاريخ وكذا منطق المد الديمقراطي، الذي يؤكد أن البعد المغاربي، “استراتيجي”، وحتمية لا يمكن لورثة المخططات الاستعمارية مقاومتها إلى الأبد.
أكورا بريس: عن يومية “الاتحاد الاشتراكي”