نشرت “المساء” في عدد آخر أسبوع ملفا عن الزاوية البوتشيشية يشكل تحفة بجميع المقاييس بعد استكمال قراءة جميع أضلاعه يخرج الإنسان بخلاصة واحدة ووحيدة هي نظرية التماهي بين الدولة والزاوية البوتشيشية، أو نظرية الحلول الصوفية التي تذوب فيها الدولة في ذات بوتشيش ويذوب فيها بوتشيش في ذات الدولة، إذ تلصق صور بعينها على العنوان المثير جنرالات وأمنيون ووزراء سيادة وسياسيون يترددون على الشيخ حمزة، أطر في الأوقاف والداخلية والجامعات يشيدون هرم الزاوية.
إن جبة بوتشيش تستوعب كل شيء في الدولة الجنرالات والأمنيين ووزراء السيادة وسياسيين، والعَسَس كل العَسَس لا يعيشون إلا في جبة بوتشيش، إنها الصورة التي سعت “المساء” إلى ترسيخها، بوتشيش غير منصوص عليه في الدستور هو الزعيم الروحي للدولة يلجأ إليه الجميع، يحكم كل المؤسسات ويخترق الأحزاب اليسارية، ففي جبته يعيش اليازغي وفتح الله ولعلو، والمناصب الحساسة في الدولة لا يحكمها إلا البوتشيشيون. بوتشيش هوصاحب السر، بوتشيش هو الكائن المظل، صحيح أن وزير الأوقاف عاش إلى جانب عبد السلام ياسين أيام الشباب إلى جانب الشيخ العباس أبو الشيخ حمزة، صحيح أن ابن الشيخ حمزة عمل في أسلاك وزارة الداخلية، وكان عاملا على عمالة بركان قبل أن يلحق بالإدارة المركزية، فلا منير القادري سوف ينكر أنه ابن الشيخ حمزة ولا وزير الأوقاف سينكر أنه كان من خاصة الشيخ عباس، لكن “المساء” أسرت كعادتها أن العسكر والمخابرات العسكرية والمدنية من أتباع الشيخ وأنهم يحضرون حضرته، فمدرسة نيني في “المساء” عودت المغاربة على التدرج في الاختلاق، في البدء تنشرها في إطار العموميات ثم تنتظر إلى حين وتبدأ في التقاط أخبار الحضيض ونفتها بمقدار قبل أن تعيد الكرة سبع مرات لتستقر كحقيقة أبدية، كما حدث في الملف التحفة الذي جعل الزاوية تحل محل الدولة وتسوق على سبيل الإضاءة أن هذا كان محل انتقاد قادة الإصلاح والتجديد.
إنها نظرية نيني في الجلد والقصاص من الناس فلا يستهدف إلا الأخرس من المؤسسات والمحيط الملكي حتى ينطق، ولا يستهدف إلا الصامتين منهم، فرغم أن نيني خارج الحلبة فكلهم نيني حتى تسود الحقيقة المخدومة ويؤمن الناس أن الفصل 19 فيه المُعْلَن وغير المُعْلَن، وأن غير المُعْلَن يحكمه بوتشيش ولاءًا ونصرة فمن دخل دار بوتشيش فهو آمن ومن دخل دار غيره فهو خارج المدد.
يعلم الجميع أن دراويش بوتشيش من حقهم أن يتدروشوا، ففي الصوفية من المدد وصفاء الروح ما يجعلهم متنازلين عن هم الدنيا ومناصبها ويناشينها وهمزات وإسقاطات “المساء” وصحبهم، لكن ليس حقا على غير المنتسبين أن تجبرهم “المساء” إعلاميا على العيش في جلباب بوتشيش حتى تكون محط انتقاد لحركة التوحيد والإصلاح، والحقيقة التي يعلمها الناس أن الرابطة المحمدية للعلماء يترأسها رجل أسس إلى جانب عبد الإله بن كيران تنظيم الجماعة الإسلامية ولا علاقة له بِبُوتشيش، وأنه لا يوجد بوتشيشي واحد في المجالس العلمية التي يستحوذ عليها أعضاء حركة التوحيد والإصلاح، الذين يعدون بالمآت والسلفيون أقلهم بقليل.
ولكن كان لا بد لـ”المساء” أن تؤثث الملف بما هو مغلوط وتجبر الجنرالات ورجالات الدولة على أن يَزُورُوا إعلاميا الشيخ حمزة حتى ولو لم تطأ أرجلهم يوما أرض مداغ ولا يعرفون عن بركان إلا جودة حوامضها التي تصل إلى كل البيوت وتغنيهم عن زيارة بركان وأهلها وتوفر منتوجا للتصدير ومداخيل هامة تعزز اقتصاد المغرب.
لقد تحول الكذب في عرف “المساء” إلى أخطبوط داخل أجهزة الدولة التي تدين قيادات الصف الأول بالولاء والانتماء لبوتشيش، الصراع بين الإسلام الحركي والإسلام الصوفي لا يعني الدولة ولا يعني المحيط الملكي، ولا يعني الجنرالات أو المدنيين، كما لا يعنيهم الصراع بين ابن عربي وحسن البنة، ولا بين الحلاج وابن تيمية لكل جُبَّتُهُ، وجبة المغرب ديمقراطية الأصول والأفق تتسع ديمقراطيا للجميع، أما الولاء الأول والأخير فإنه للمغرب وجُبَّة الموالاة واحدة لا تسمح بالجبب الأخرى، حتى ولو قالت “المساء” كل مساء كذبا حتى لا يموت نيني ويحيى النينيون في الظلام الذي يشجع لغة الخفافيش.
أكورا بريس