الجميع تلقف مادة إخبارية استثنائية، إنها اللائحة الكاملة للمستفيدين من مأذونيات النقل على المستوى الوطني، التي صدرت بقرار من وزير النقل.
الصحافة التي تعاني من شح المواد الإخبارية الجاذبة تعاملت مع الحدث من زوايا مختلفة، كل من موقعه، ولكن هناك سؤال جوهري، لماذا نشرت وزارة النقل اللائحة، وما هي الغاية من ذلك؟
اللائحة المنشورة محصورة في 3681 مأذونية، وحسب يومية “أخبار اليوم” فإن 24 في المائة منها، أي الربع غير مستغلة، و 70 في المائة منها يتم استغلالها عن طريق الكراء، وهناك من يستغل أكثر من رخصة منهم مهنيو النقل.
الجميع يعرف بأن كراء مأذونيات النقل حتى في الخطوط الطويلة لا يتجاوز شهريا 7000 درهم، وأن هناك من المأذونيات التي لم تساو درهما، ولازالت غير مستغلة كما أوردت جريدة “أخبار اليوم”، وأن هناك فقط 2798 مأذونية هي المستغلة.
وإذا افترضنا أن المأذونية توفر دخلا قارا يوازي السلم العاشر، فإن عدد الذين استفادوا لا يمكن أن يتجاوز ثلاثة آلاف منصب أي أنه منذ ما قبل الاستقلال “منذ 1942″، وهذا يعني استراتيجيا أن القطاع لا يمكن أن يشكل احتياطيا حقيقيا يعطي إضافة نوعية لحل الإشكالات الكبرى المطروحة على الحكومة.
فلو افترضنا أن جميع المأذونيات تمت إعادة صرفها إلى مستفيدين آخرين، فهل هذا يعفي الحكومة من البحث عن الحلول القمينة لحل إشكال التشغيل؟ أكيد لا، لأن التشغيل يجب أن يستهدف الفئة العمرية القادرة على العمل، أما المأذونيات فتستهدف إجمالا الحالات الخاصة بالفئة العمرية التي لم تعد قادرة على العمل أو ورثة أشخاص قضوا.
فلماذا إذا نشرت وزارة الحكومة الملتحية لائحة المستفيدين؟ أكيد أن في الأمر سر آخر، ومن المرجح أن الأمر يتعلق بغياب أجوبة حقيقية على الأسئلة الإستراتيجية عشية تقديم القانون المالي أمام البرلمان.
الحكومة في العمق لا تملك كل الوسائل للاستجابة، ولو في الحد الأدنى المقبول لمطالب الشعب ولم تتخذ لحد الآن أي إجراء استعجالي من أجل إعادة تنشيط الاقتصاد الوطني، ويوم فاتح مارس كان يوم رفع الحواجز الجمركية على المنتوجات الأوروبية، التي سوف تستهلك الاحتياطي على علاته من النقد الأجنبي. إذن الهدف هو إلهاء الناس وخلق نقاش جانبي لأن بعض المستفيذين هم النجوم، نجوم الكرة أو المسرح أو الغناء أو من المقاومين أو معطوبي المقاومة وجيش التحرير.
في اعتقاد الحكومة الأسلم لها أن يمر النقاش حول القانون المالي الخاوي الوفاض في ظل فتنة “لكريمات”، أي أن الرأي العام سوف يخوض في نقاش غير استراتيجي، هل هم من ذوي الاستحقاق للامتياز أم لا؟
نعم، على الرأي العام أن يناقش هل الضلمي و البوساتي بودربالة، ونعيمة سميح وبادو الزاكي ونوال المتوكل يستحقون أم لا يستحقون هذا الإمتياز؟ وهكذا سوف ينسى الرأي العام الأهم لينشغل بالأدنى في عملية شعبوية تريد إفهام الرأي العام أن المأذونيات هي أصل البلاء في البلاد، وأن ثلاثة آلاف كريمة هي سبب التأخر، وضعف مداخيل الحكومة وتخلف الخدمات العمومية في قطاع الصحة والنقل والتمدرس والشغل.
الآن بعد إعلان الأسماء الكاملة للمستفيدين تم حل مشاكل المغرب، إنها بحق خبطة شعبوية بامتياز وتملك الحكومة، ووزاراتها خبطات أخرى فمع كل استحقاق مالي أو اقتصادي يشكل نقطة ضعف الحكومة الملتحية، ستعلن الحكومة خبطات شعبوية أخرى من قبيل اللائحة الكاملة للمستفيدين من مقالع الرمال ورخص الصيد في أعالي البحار.
فلينتظر الشعب مع كل كبوة للحكومة أن يتمتع بمتابعة مسلسل الرخص، فعوض نشر اللوائح كان على الوزارة أن تتقدم أمام الرأي العام بالإجراءات من أجل سحب الرخص من غير المستحقين، ولم لا عن الجميع وتعطي مقاربة جديدة حول تصورها لتطوير القطاع عوض أن تقف عند ويل للمصلين.
فما يمنع الحكومة و”ويكيلكساتها” من اتخاذ القرار أولا، إنها الحكومة المكلفة دستوريا بتسيير الشأن العام، فحتى الآن لا يعرف الرأي العام عنوان آخر لعملية كشف الأسماء غير الإلهاء، وهو هدف لا يعبر عن تحمل المسؤولية و”ترجاليت”. نعم كشفت الحكومة اللائحة وماذا بعد؟ هذا هو الأهم.
ربما تريد الحكومة أن يطالب غيرها بإلغاء الإستفادات، قبل أن تقدم على تنفيذ المطلب، إنه جبن سياسي حتى لو سعى وزير النقل منذ اليوم الأول إلى الترويج لشجاعة بطولة الفارس الإسلامي.
إن الإعلان عن اللائحة بغض النظر عن جانبه الشعبوي المغلف بالشفافية فإنه لا يقدم تشخيصا لا للداء ولا للدواء. والرأي العام الآن بعد أن استهلك حقنته من الإلهاء يريد القرار، فما أنتم فاعلون يا أهل “المصباح”؟، الذي عوض أن ينير غد المغاربة بالأجوبة الحقيقية على الأسئلة الحقيقية تحول إلى مزمار يلهي الناس، إلى حين يتحول أهل المزمار إلى أهل العصا التي قد تتحول إلى ثعبان مبين حتى لو كانت المبادرة اليوم بيضاء لبعض الناظرين.
أكورا بريس: ح ي