عند سفري للمغرب فكرت في الإقتراب أكثر من التجربة المغربية السياسية، فالمغرب وبعد تعديل الدستور حصل حزب العدالة والتنمية المحسوب على التيار الاسلامي على الأغلبية في البرلمان مما أدى لتكليفه بتشكيل الحكومة، وكان فوز العدالة والتمنية في إطار أكبر شمل فوز التيار الإسلامي تقريبا في كل الإنتخابات التي أجريت في بلدان الربيع العربي، وهناك وجدت أن التساؤلات المطروحة حول حكم الاسلاميين تتشابه للغاية حول المطروحة هنا والمطروحة في تونس، تختلف المسميات ويتفق المضمون، وحتى أفهم أكثر تحدثت إلى السيد مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية وطلبت منه إجراء حوار معه، حوار عن الحكومة ” الملتحية” كما تسميها الصحافة المغربية.
وأنا في الطريق إلى وزارة الإتصال قال لي سائق التاكسي أن مصطفى الخلفي يذهب إلى وزارته بالمواصلات العامة وأحيانا بـ ” التروماوي ” والذي تقع محطته الأخيرة أمام الوزارة، أيضا قام بمجرد توليه الوزارة بإلغاء المصعد المخصص للوزير، قلت أن الكلام شيء والواقع قد يكون شيئا آخر، ذهبت قبل موعدي وجلست في الاستراحة المجاورة لمكتب الوزير، بعد قليل دخل الوزير الاستراحة وكان قد صعد توا، يحمل شنطته بيده ولا يتبعه أحد، صافحني واصطحبني معه لمكتبه، فتح الباب وقال لي تفضل، واستمرت جلستنا لساعة تأكدت فيها مما قاله السائق واستمتعت بإجراء حوار مع وزير عربي شاب من مواليد 1973 ، مرتب في أفكاره ويعرف كيف يرد على الأسئلة جيدا.
في السطور القادمة، حوار حاولت فيه التعمق في تجربة الأحزاب الإسلامية في المغرب، وهي تجربة قريبة منا وتحتاج لفهمها، أيضا تطرقنا لقضية تضييق الحريات والتي يتخوف منها البعض، في المغرب كما في مصر يخاف البعض من تضييق الأحزاب المحسوبة على التيار الاسلامي للحريات وتشغل بال الصحافة هذه المناقشات، أيضا تطرقنا لعلاقات العدالة والتنمية المغربي بالحرية والعدالة المصري وكيفية تنمية العلاقات الاقتصادية بين بلدينا.
قرأت لك في تصريح سابق أن الحركة الاسلامية في المغرب لها خصوصية عن باقي الحركات الاسلامية في الوطن العربي، أريد أن أفهم محددات هذه الخصوصية ؟؟
هنالك عدد من الخصائص المميزة للحركة الاسلامية في المغرب، أولا قضية تعميق الخيار الديموقراطي داخلها وفي مطالبها، فهي قبل أن تطالب بالديموقاطية تلتزم بها داخليا، إنتخابات ديموقراطية منتظمة شفافة تحدث المفاجأة وتتم على كل المستويات في الحزب، يكون فيها الجميع بما فيهم الأمين العام للحزب موضع مناقشة لآدائه، والكثيرون يشهدون لنا بذلك، الشيء الثاني هو نجاحها في الوصول لصياغة تجمع بين العمل الدعوي المجتمعي والعمل السياسي الحزبي، وأن تحدث تمايز يقوم على الاستقلالية الحقيقية في المسئوليات والقرارات والبرامج والاختيارات، وهذه الاستقلالية تنتج نوعا من الوضوح على مستوى المجتمع.
كيف تكون الاستقلالية بين عملكم السياسي وعملكم الدعوي؟
استقلالية في القرار وفي المسئوليات، القيادات مختلفة، هناك مؤتمرات على مستوى الحركة وأخرى على مستوى الحزب، كلا منهما يختار قياداته، ليس هناك وصاية لأحد على الآخر، ليس هناك تدخل في قرار أحد، عندما يتم طرح شيء على الحركة أو على الحزب يناقش ، وثمة بلورة تقوم على فلسفة تعميق رؤية تقول أنه كما أن الحزب معنى بإحراز تقدم على مستوى الدولة فإن الحركة معنية بإحراز تقدم على مستوى المجتمع وأن يحدث نوع من التوازن بين الدولة والمجتمع لأن هذا التوازن هو الذي يؤدي إل الاستقرار والنمو والفتاعل وهذه نظرية قديمة في العقد الاجتماعي والفكر السياسي تجعل الدولة في خدمة المجتمع وتجعل من المجتمع داعما للدولة، هي رؤية في الفكر السياسي معتدلة وسطية ، فالحركة لها منهج في التفكير قائم على المشاركة والإعتدال والوسطية والانفتاح على المجتمع والحركة تعمل من 30 سنة بمنطق التدرج والممكن ولذلك في مراحل صعبه استطاعت الحركة أن تحافظ على حد أدنى من الوجود المؤسساتي وهذا يعود جزء كبير منه لحكمة الدولة والنظام السياسي، والعنصر الرابع أن الحركة وعت بشكل عميق خصوصية الدولة في المغرب، فهي وعت بمحورية وخصوصية النظام الملكي ووعت بأن المنازعة ليست مطروحة اصلا، ففي حالة مصر وتونس منصب الرئيس في حالة منازعة، ولكنها اعتبرت أن وجود النظام الملكي هو مكسب ينبغي صيانته وينبغي دعمه لكن رغم ذلك عانت الحركات الاسلامية في المغرب من التضييق ؟!
في محطات سابقة في الثمانينات والتسعينات عشنا لحظات توتر وأحيانا لحظات نتجت عن سوء فهم أو توجسات أو حسابات داخلية وخارجية أو جماعات مصالح على مستوى البلد بحيث ينشأ نوع من التدافع ينتج عنه نوع من التضييق، وهذا نوع من التدافع، قوة أبناء الحركة الاسلامية في المغرب أنهم استطاعوا التكيف والتفاعل ايجابيا حتى تمر الازمة، ولذلك عندما شاركت الحركة في إنتخابات 1997 لأول مرة رفعت هدف أنها تشارك مشاركة رمزية من أجل الطمأنة والتعريف بمشورعنا وتذويب صور نمطية نشأت في الماضي وكانت مشوشة.
فالمغرب في التسعينات وفي أوج اعتماد الدول في المنطقة على الطرح الاستئصالي للتيارات الاسلامية، رفض المغرب الانخراط في هذه السياسة، فالمغرب تاريخيا جذوره مرتبطه بالتاريخ المغربي وكيف كان المغرب يتعامل مع التيارات المختلفة فيه، فكل التوجهات المعتدلة كان النظام يسعى لإدماجها ويعزز من شروط إنخراطها في المسار الديموقراطي، وهذا ما جعل المغرب من أقل الدول تعرضا للتحدي الديموقراطي.
الناس اختارتكم لتكونوا حكومة اسلامية، وهذا يعني أنهم يريدون منكم مظهرا اسلاميا وليس مجرد اصلاحا اقتصاديا!!
أقول لك شيئا، الناس اختارت الاسلاميين لثلاثة عناصر رئيسية، أولا أمر يخص المصداقية، أن ما يعدون به الناس تشعر أنهم سيلتزمون به، الأمر الثاني أن الاسلاميين طرحوا برنامجا أقدر على حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا أمر يمكن أن نربطه بالربيع الديموقراطي الذي يربط ما بين الديموقراطية وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ولذلك مثلا نحن نقول أن الناس انتخبتنا أولا لأولويات اقتصادية وتريد منا الخوض في إصلاحات جوهرية، العنصر الثالث الناس تريد نوع من الاستقرار والأمن في ابعاده المتعدده وإنهاء كل التوترات الماضية، هناك حالة تعب وإرهاق بسبب التوترات التي نشأت في الماضي وهذا الأمر كاد يؤدي إلى حالات كثيرة إلى إرباك شعوب المنطقة ليست ذات أولوية، الشعوب تريد أن تتقدم في إطار الحداثة دون ان يكون ذلك على حساب هويتها الثقافية، هي تريد أن تتقدم دون أن ينتج ذلك فقدان هويتها ومرجعيتها.
وقد أثبتنا في برنامجنا اطلاق الاستراتيجية الوطنية للتربية وحقوق الانسان والقيم المغربية الأصيلة وأن يتم التشبث بالمرجعية الدينية للبلد وأن يتم إطلاق سياسات فنية وسياسية قائمة على ثلاثية الحرية والمسئولية والإبداع.
تكلمني عن الهوية وأنا أرى المغرب يتنازع بين هويتين واحدة عربية وأخرى غربية، الشارع به هذا التنازع، فهل عندما إختارك كان يريد منك أن تحقق له نمطا اسلاميا في الشارع؟؟ وهل عندك رؤية لتعميق هذه الهوية ومحاربة مظاهر الاغتراب فيها وهي رؤية سيراها العلمانيوين محاربه للحريات!!
دعني أوضح لك شيئا، نحن واعون أن من شاركوا في الانتخابات لا يزيدون عن 40%، وأن الرهان الحقيقي هو على الاصلاحات الاقتصادية، نحن لم نأت لنضيق على الحريات، وكانت أول تصريحات رئيس الحزب بعد الإنتخابات هي “حريات الأفراد مضمونة بالدستور”، نحن بدراستنا لتاريخ البلد نكشف أن توسيع الحريات يخدم في نهاية المطاف عودة الناس لمعتقداتهم وهويتهم، كما نؤمن أن هناك بعض القضايا التي ترتبط بالنظام الأخلاقي والقيمي وهي قضايا يتفاعل فيها الشارع، علمانيين واسلاميين وقوميين وغيرهم، وما يشكل الأغلبية ويعبر عن القناعة العامة للمجتمع وهو الذي تبلوره الدولة في سياسات وتحافظ في نفس الوقت على حقوق الأقليات ، كما أن الدستور حدد ثوابتا للأمة وهي: الاسلام ووحدة التراب والملكية الدستورية والاختيار الديموقراطي، وأن هوية البلد لها ثلاثة مكونات وهي المكون العربي الاسلامي والمكون الأمازيغي والمكون الصحراوي ونحن نتوجه لإقرار سياسات تترجم ما جاء في الدستور.
هل هناك علاقة بينكم وبين الحركات الاسلامية في الوطن العربي؟
هناك علاقة حوار، فالحركة في المغرب مستقلة، لكن هناك علاقات وتواصل وتبادل خبرات خاصة أن تجربتنا في المغرب في الخمسة عشر عاما الأخيرة كانت محل تتبع ودراسة فهي كانت تشكل في بعض الأحيان إستثناء، هناك علاقة حوار إيجابي ونحن نتطلع إلى تعزيز هذا الحوار بما يخدم شعوب المنطقة.
هل اتصلتم بحزب الحرية والعدالة في مصر، وهل كانت تجمعكم علاقات بالإخوان المسلمين؟
علاقتنا مع الإخوان علاقة قديمة وهناك زيارات متبادلة وكان هناك نقاشات متبادلة حول قضية الحزب والحركة والمشاركة والتنظيم بين الحزب والجماعة، وكان افراد من هنا وهناك يذهبون وهم عبروا عن تقدير للتجربة المغربة كما عبرنا عن تقديرنا للموقف الذي نهجته حركة الإخوان في مصر عندما عززت خيار الإصلاح في إطار الاستقرار وصيانة وحدة الشعب المصري والحيلولة دون أن تنشأ أي توترات تضعف مسار التحول الديموقراطي في مصر ونحن الآن نتطلع أن تنشأ علاقات جديدة في إطار ميثاق أغادير الذي ينظم العلاقات الاقتصادير بين عدد من الدول منها المغرب ومصر والأردن، نحن نتطلع الأن للحوار مع القيادات الجديدة، وأن نحقق التكامل الاقتصادي المطلوب الذي يمكن شعوب المنطقة ان تستفيد من خيراتها بشكل تكاملي.
البعض يرى أن فرص التكامل بين الحكومات الاسلامية أكبر من غيرها!!
أنا أتحفط على قول “حكومة إسلامية”، نحن حكومة يقودها حزب العدالة والتتنمية لكن يوجد عندنا حزب يساري، إمكانية التقارب كبيرة والشعوب تتطلع أن ترى آثار هذا التقارب على المستوى الاقتصادي والثقافي.
رغم العلاقات الجيدة بين مصر والمغرب لكن لا يوجد تبادل كبير على المستوى الاقتصادي بين البلدين، البعض يرى أن السبب في ذلك هو انفتاح المغرب أكثر على الناحية الأخرى من المتوسط!
في البرنامج الاقتصادي طرحنا قضية الاشتغال على اسواق جديدة في الشرق وتفعيل اتفاقيات التبادل الحر بيننا وبين الدول العربية، نتطلع إلى تأسيس علاقات اقتصادية متينة قائمة على فلسفة التكامل وهذا من أولوياتنا خاصة في ظل الازمات الاقتصادية التي يعاني منها الغرب، لكن أعتقد هذا سيحدث بعد أن تستقر الأوضاع في مصر، سيحدث إمكانية كبيرة للتبادل التجاري والسياحي وتبادل الاستثمارات.
أحد الإشكاليات عندكم تتعلق بصلاحيات الحكومة مقابل صلاحيات الملك، في الشارع الناس تقول أن الملك يريد أن يعطيكم صلاحيات أكبر ولكن أنتم من تتخوفون من إستخدام هذه الصلاحيات!!
الدستور الجديد حدد إطار للعلاقة والتعاون، بين المؤسسة الملكية والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، أحد تحديات المرحلة هي تفعيل الدستور في جو ديموقراطي، علاقة التعاون أحيانا تتطب حوار، رئيس الحكومة الآن يعمل في إطار الصلاحيات التي وضعها له الدستور والصلاحيات للمجلس الوزاري الذي يرأسه الملك وينشأ نوع من التعاون، نحن عندنا قناعة أن التنزيل الأمثل للدستور يتحقق بهذا التعاون، وهذا ما يرتكز عليه هذا الدستور.
نحن في الشرق عندنا صور نمطية عن المغرب، وأرى أن الخطأ عندكم لأنكم لا تحاولون للوصول ثقافيا وإعلاميا لنا، هل عندكم رؤية لتعديل دوركم الإعلامي والثقافي ليصل إلى العالم العربي؟
قضية الانفتاح الثقافي هو من الإنشغالات الكبرى لنا، المغرب كان منارة ومازال لها إشعاع، نحن نسعى لمضاعفة هذا الاشعاع خاصة في ظل إنتشار المغاربة في دول الخليج، لكن طرحنا سياسة ثقافية تعزز تكثيف التعاون الدولي وافتتاح مراكز ثقافية في دول الخليج ويتم رفع جودة الخدمات المرتبطة بالفضائية المغربية، فبدلا من أأأن تصبح موجهة للمغاربة الموجودين في الخارج، تصبح موجهة للناس ككل، خاصة أننا نعاني من صور نمطية سلبية نمت بسبب غياب التواصل بيننا وبين الآخر، ولذلك هناك سياسة نشطة لطرح قنوات جديدة في اطار استراتيجيات أوسع لرفع مستوى المشاهدة.
عندكم عدد كبير من المهرجانات وهي لا تعكس اهتمام الشارع الذي لا تتأصل لدية ثقافة دخول السينما مثلا ويعترض على البذخ في المهرجانات الغنائية، هل لديكم خطة للتعامل مع هذا الملف؟
في المغرب يقام أكثر من 150 مهرجاناً، ما سنتجه إليه هو ” مزيد من العقلنة ” وجعل هذه المهرجانات وفق برنامج دقيق معتمد على مستوى البلد، فأغلب المهرجانات خاصة، لكن المهرجانات التي تستفيد من الدعم المادي يجب أن تواجه سياسات واضحة على المستوى الاعلامي حتى تكون رافعة للهوية المغربية، نحن نريد سياسة اعلامية وثقافية عندما يذهب إليها المغربي يرى نفسه ويشعر أنها تعبر عن ثقافته، وهذا الأمر يتطلب عملأً كثيراً، هناك ارتفاع على المستوى الكمي، ونحن الان نشتغل على الارتقاء بالكيف .
شريف بديع النور: “بوابة الشباب” الأهرام