بقلم: خالد أشيبان
إذا كانت هناك فئة من المغاربة لم تستفد في العهد الجديد من أي إجراء يحسن من وضعيتها وظروف عيشها فهي فئة المتقاعدين الذين أعطوا الكثير لهذا البلد وساهموا بكل ما في جهدهم لتحرير الوطن من المستعمر وبنائه وصونه ليصبح ما هو عليه اليوم. هذه الفئة اليوم تجازى على تضحياتها بالإهمال والموت البطيء في عمق المغرب وصحرائه وجباله وحاضرته.
أناس يتقاضون معاشات لا تتجاوز 1000 درهم شهرياً وفي بعض الحالات لا تتجاوز 500 درهم، وحتى عندما قررت الحكومة زيادة 600 درهم في أجور الموظفين استثنت المتقاعدين من هذا الإجراء وكأنهم ليسوا في حاجة مع أن اغلبهم اليوم يبحث عن شغل في ظروف الله وحده يعلمها لضمان قوته وقوت أبنائه اليومي وكأن هؤلاء الناس لا يستحقون الراحة بعد كل التضحيات.
تخيلوا معي كيف سيكون حال متقاعد في الجيش من ساكنة الرباط أو الدار البيضاء بعد العشرات من السنوات في خدمة الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه يتقاضى معاشاً قدره 1300 درهم يجب أن تكفيه لأداء إيجار المنزل الذي يقطنه وفواتير الماء و الكهرباء و سد حاجياته وحاجيات زوجته و أبنائه الخمسة و مصاريف دراستهم وملبسهم ومرضهم. ماذا من المفترض من هذا الشخص أن يفعل ليضمن عيشاً كريماً له و لأبنائه ؟!
كيف سيكون حال أرملةٍ مات زوجها و ورثت بعده معاشاً لا يتجاوز 400 درهم و ثلاثة أو أربعة أبناء عليها تربيتهم ودراستهم وسد حاجياتهم وكأنها تعاقب لأن زوجها مات ؟!
تخيلوا معي كيف يقضي يومه كل واحد من متقاعدي الإنعاش الوطني قضى حياته في تنظيف شوارعنا و إصلاح أنوار أعمدة أزقتنا وتسليك قنوات “الواد الحار” واليوم يتقاضى معاشاً لا يتجاوز 500 درهم لا تكفيه حتى لدفع تكلفة دواء مرضه ؟!
كيف يمكننا أن نطلب من هؤلاء الناس اليوم ألا يحقدوا عن الوطن الذي يكافؤهم بالإهمال والنسيان، وأن يتفاءلوا بمستقبل أحسن لأبنائهم وهم عاجزون عن تلبية حاجياتهم وضمان تدريسهم ؟!
كيف نتجرأ ونطلب من هؤلاء الناس أن يصبروا وينقلوا مبادئ حب الوطن لأبنائهم وهم يرون كل يوم خيرات الوطن يستفيد منها غيرهم لم يعطوا لهذا الوطن ربع ما أعطوه ؟
كيف و كيف و كيف …
يجب أن ندرك أن تقدم الأمم في الأساس لا يحدث إلا إذا أعطينا للإنسان قيمته وحفظنا كرامته وأعلينا من شأنه. فالإنسان هو الأصل وهو الهدف وكل تقدم لا يخدم الإنسان فهو زائف و مزور. فتشييد البنيان لا ينفع في شيءٍ إذا لم نعمر البنيان، وحب الوطن لا يستقيم إلا إذا استقامت المعايير التي على أساسها يكافأ الإنسان.
وكما يقول الشاعر :
نعيب زماننا و العيب فينا – و ما لزماننا عيب سوانا
و نهجو ذا الزمان بغير ذنب – و لو نطق الزمان لنا هجانا
فدنيانا التصنع و الترائي – و نحن به نخادع من يرانا
و ليس الذئب يأكل لحم ذئب – و يأكل بعضنا بعضاً عيانا