إعداد: لحسن أمقران (أنمراي) – تنجداد [email protected]
في الآونة الأخيرة، توج بعض أشباه المنظرين والمفكرين – مشكورين – الحراك الشعبي والربيع الديمقراطي الذي شهدته شمال أفريقيا، توجوه بوسام العروبة واعتبروه نجاحا لمشروعهم الحضاري واختيارهم القومي وغيرها من الترهات الإيديولوجية المتهالكة والمرفوضة، لكن الغريب في الأمر هذه المرة أن يعتبر هؤلاء مواقفهم المتجاوزة “فصلا في مقال” ،فنصبوا أنفسهم حكاما لا مرد لقضائهم، ولا كلام بعد كلامهم. أقلام أبت إلا أن تغالط نفسها ومعها القارئ الذي يقف حائرا أمام ما تنفثه هذه “النخبة” من مغالطات وأكاذيب مغلفة بورق يخاله أصحابه براقا جذابا ناسين أنه شفاف يكشف عورة افتراءاتهم وخزعبلاتهم.
كم كانت حسرتنا كبيرة ونحن نقرأ ردود هؤلاء على السيد وزير الخارجية، الدكتور سعد الدين العثماني، بعد مقترحه لنظرائه المغاربيين باستبدال عبارة المغرب “العربي” بعبارة أكثر موضوعية وواقعية تنصف تنوع ساكنة شمال أفريقيا، حيث لم يتوان هؤلاء في شن حرب كلامية شعواء – و هي أقصى ما يملكون – ضد وزير معترف له بالرزانة والتبصر والحكمة التي يفتقر إليها أمثال هؤلاء، وزير جنى على نفسه نية تفعيل مقتضيات دستور البلاد ودعوة إخوانه من المغرب الكبير الى الاقتداء بالنموذج المغربي.لا نفهم كيف سمح هؤلاء لأنفسهم باتهام وزير من طينة الدكتور العثماني – وإن كنا لا نتفق معه جملة وتفصيلا في رؤيته للمسألة الامازيغية –بكونه يعبر عن مواقف شخصية لا يشاطرها إياه الشعب المغربي؟لا ندري أيتكلم هؤلاء عن هذا الشعب المغربي الذي نعيش فيه أم يتحدثون عن شعب مغربي آخر لا نعرفه؟ أن يقول قائل أن وزير الخارجية إنسان “طائفي” كلام غير مسبوق يستحق أكثر من وقفة وتحليل بل و محاسبة للناطقين عن الهوى المرضي،أليس هؤلاء زراع الفتنة بامتياز؟ إن من يسمحون لأنفسهم برمي الدكتور بهذه الأوصاف يستحقون منا أن نصفهم بالمخرفين و المعتوهين.لا نفهم كيف يحاول هؤلاء المستبدون إقناع الشعب المغربي بأمور لا تتجاوز مصداقيتها مخيلاتهم الصدئة؟ ثم كيف يتحدثون عن الاختيارات الوطنية و المشروع الحضاري و هم يرفضون مقتضيات أسمى قوانين البلاد عندما يتمادون في توظيف عبارة المغرب “العربي” ويحاولون العودة الى نقطة الصفر بعد أن حسم المغاربة اختيارهم؟ كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بالتحدث باسم الشعب المغربي الذي لم و لن يكون قلعة آمنة لفكرهم الاستئصالي الهدام؟
يجب ألا ينسى أي كان أن المغرب وطن للجميع،و لا يحق لأحد أن يؤدلج الشعب المغربي العريق باسطوانات متهالكة من الزمن الناصري البائد أو الركوب على المقدس المشترك أو من خلال شن ضربات استباقية من قبيل الطائفية و العرقية المقيتة.فليعلم “فاصلو المقال” أن لا أحد رفع يوما شعار المغرب “الامازيغي” عوض عن المغرب الكبير كما يفعلون و يتعنتون ،نذكر “فاصلي المقال” أن لا أحد فرض اللغة الامازيغية على المغاربة – على مر التاريخ – كما ينادون اليوم.نحن شعب نؤمن بالاختلاف و نسعى الى تجسيده في إطار التسامح و التآخي اللذين يميزان المجتمع المغربي.إن ما تسعون إلي إيهامنا بمشروعيته ليس من صميم المغاربة ،و ما تقدمون عليه من القدح و التجريح و التشكيك في الرأي المخالف ليس من شيمنا كمغاربة.لا تنسوا أن الامازيغية جوهر هوية المغرب الكبير و كنه الشخصية المغاربية ،كما أن وحدة المغرب الكبير هذا تأسست عبر العصور على التنوع و التعدد في الأعراق و الأصول و اللغات و الثقافات دون مركبات نقص أو شعور مرضي بالتفوق.لا تنسوا أن الامازيغية في المغرب أكثر من غيره مشروع المجتمع الحداثي الديمقراطي، وأن مسؤولية بناء هذا المجتمع مسؤولية وطنية على عاتق كل المغاربة.لا تنسوا أن رقي المجتمع يهمنا جميعا و لا يحق لأي كان أن ينصب نفسه وصيا علينا في اختياراتنا،فعهد الوصاية ولى بغير رجعة و المسؤولية لن تظل حكرا على طرف دون آخر.
بالمختصر المفيد، إن الاسطوانة القومية بضاعة فاسدة وجب الإقرار بمخاطرها على الجسد المغاربي عموما و المغربي بشكل خاص و حبذا لو استطاع “فاصلو المقال” التوبة عن أنانيتهم الباتولوجيكية.
إن الجبين ليندى والنفس تشمئز لما نصادف أشخاصا يحملون من الألقاب العلمية الوزن الثقيل و يسعون الى الشهرة سالكين الأبواب الخلفية، إن الجبين ليندى و النفس تشمئز عندما يغيب الصدق مع الذات و بالأحرى مع الغير لمجرد إرضاء أناس في أقصى مشارق الأرض أو سعيا وراء جنيهاتهم البئيسة. إن الجبين ليندى و النفس تشمئز عندما يسمح الفرد لنفسه بالتهجم و التجريح و التشهير في حق إخوانه من المواطنين الذين لا يشاطرونه الرأي.لكن بالمقابل نقول أن من يجعل نفسه مدعاة للسخرية و الارتزاق الإيديولوجي و السياسوي لا يستحق غير ذلك،أما المغرب و اختيارات شعبه فهي أقوى و أمتن من أن تتأثر بالنهيق الآدمي.