فيديو: المفوض الأممي لحقوق الإنسان: المغرب نموذج يحتدى به في مكافحة التطرف
بقلم: عبد الرحيم الخصار
من يعرف الشاعر المغربي، جمال الموساوي حين يقرأ عمله الجديد «حدائق لم يشعلها أحد»، الصادر عن بيت الشعر بالمغرب فسيطرح السؤال التالي: “من أين لهذا الريفي الهادئ والمؤدب والخجول كل هذا الحزن والشجن واليأس الذي يبطن قصائده ويغلفها؟”.
ليس هذا مجرد تأويل لما يكتبه جمال الموساوي، بل هذا ما تقوله النصوص بشكل صريح بدءا من عنوان المجموعة، مرورا بعناوين النصوص: «سيرة الفراغ لا أفق لي – مديح الكآبة شجن بعيد هناك الكثير من الخراب وردة في الغروب- الغريب – اليد الغائبة…»، وصولا لتلك الجمل اللاسعة التي تعمق لدى القارئ ما تحمله الكتابة من أثقال الوحدة والعزلة والاحساس الدائم بالغربة وبالكآبة وسط عالم يبدو أن باطن الشاعر غير متصالح معه على الإطلاق رغم ما يحمله الظاهر من سمات الهدوء والطمأنينة: “أنت كئيب كعاداتك الخاليات وأنت تنوح وراء سحاب بلا مطر”.
ضمير المخاطب «أنت» الذي ليس سوى قناع لضمير المتكلم «أنا» يحب الشاعر أن يضعه مفردا في سطر شعري مثلما يفعل مع كلمة «وحيدا» في نص عنوانه «طريق» ومثلما يفعل مع كلمة «لي» و«إني» و«إليّ» و«داخلي» و«عادتي» و«أنا» التي تتكرر في أكثر من موضع، كأنما يريد لهذه الكلمات التي تدل على الفردانية وعلى العزلة أن تكون هي الأخرى مفردة ومعزولة ومفصولة عن بقية مكونات الجملة، متوسلا أن تعمق هذه العزلة اللغوية لدى القارئ ما يحسه الشاعر حقيقة وما تحمله كتاباته من دلالات.
ولعل تيمة العزلة في شعر جمال الموساوي ستتقاطع مع عزلات الدراويش في التاريخ العربي، حيث الزهد في ما هو خارج الذات والاعتراف المتكرر بعدم امتلاك أي شيء من العالم الخارجي، فهو يستهل نصه «الغريب» بهذا المقطع: «السرير لغيره/ والملاءات ليست له».
ثمة أيضا إحساس موازٍ بأمن لا شيء يمكنه أن يزيح الظلام المطبق سوى أنوار الداخل، غير أن هذا الداخل لدى الشاعر ينحو في معظم حالاته إلى أن يصير هو الآخر مركزا من مراكز الظلمة، فما من شيء يسر، وما الإحساس بالمسرة في نظر الشاعر سوى وهم ومحاولة يائسة لإقناع الذات بوجود شيء هو في الأصل غير موجود: “لماذا تفر بعينيك نحو الاتجاه الذي لا تراه؟
هناك الكثير من الحزن في الأفق
هناك الكثير”.
حتى الطبيعة التي كانت ملاذا للشعراء لم تعد رحيمة بهم: «أتوحد بالعشب/ لا أجد العشب»، لذلك يتشكل لدى الشاعر إحساس يبدو أنه أقرب إلى العدمية وإلى الرغبة في الاختفاء، رغبة الكائن في ان يخرج من الوجود دون أن يفارقه، كأنما يريد ان يبقى شاهدا عليه، لكن من الخارج: “كم أشتهي ان أكون بلا اسم
كظل الخرافة
أو شبح لا يجيء”.
اليأس عند جمال الموساوي طريق طويلة لكنها محفوفة بالأمل، هذا ما تقوله نصوصه التي كتبها بعناية لغوية لافتة و ببراعة على مستوى التصوير والبناء، غير أن ذات الشاعر حين يهبّ عليها هواء الحلم من حين لآخر تدرك أن ثمة الكثير من الأسوار العالية التي تحول دون مروره إلى ذات أخرى:
“لم أصل في بريد النهار إليك
هناك جدار
يفتت كل المرايا
جدار يسيج أشجار حلم صغير”
في كتابه الجديد «حدائق لم يشعلها أحد» كما في مجموعتيه السابقتين «كتاب الظل» و«مدين للصدفة» تبدو العزلة هي المنزل الأثير الذي يقيم فيه الشاعر محتميا من رعود الخارج وعواصفه، فالعودة إلى الذات تغدو شبيهة بعودة محارب من معركة لم يعد يهمه إن كان قد ربحها أو خسرها، بقدر ما يهمه أن يتوقف عن التفكير في خوض سواها، فالمعارك التي تعتمل في الداخل أقوى وأعنف، وما من هدنة ستوقفها.
.