بالأرقام: الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني برسم سنة 2024
الشعوب العربية هي شعوب عاطفية بامتياز، إنها القاعدة التي لم تشد عنها حتى النخبة التي لازالت تؤمن أن الخطب الرنانة والصوت الجهوري والأوداج المنتفخة تصنع المستقبل.
لقد عاشت الشعوب العربية، وبعض دول العالم الثالث ولمدة طويلة حقب الزعماء الذين يمططون الكلام، كما حدث مع الزعيم فيديل كاسترو، الذي حطم الأرقام القياسية في طول خطبه. وعاشت الأمة العربية أيام عبد الناصر وأيام القذافي، وكل الزعماء الذين كانت كل انجازاتهم التي تركوها للتاريخ هي تسجيلات خطبهم الطويلة التي يقولون فيها كل شيء ولا شيء، حتى إذا انجلى الواقع كانت الصدمة كما حدث في هزيمة 1967، لأن الزعماء كانوا تحت وقع “الظاهرة الكلثومية” تغفو وتنام الشعوب، وعندما تستيقظ تجد الزعيم لازال يخطب بنفس ربطة العنق أو بدونها، وحده كأس الماء فوق منصة الخطابة تنقص سعته من الماء.
جيل الهزيمة وأطفالها يرصدون في مخيلتهم صورة نمطية للزعيم الكلثومي، الذي لا شغل له إلا الخطب ودغدغة مشاعر الجماهير، لأن في اعتقاده أن الشعب لا يريد انجازات، يريد فقط خطبا يحفظها وشعارات يرددها، فما بالك لو كانت عبارات رنانة وذات سجع حتى يكون الوقع وتكون الجدبة ويكون الحال.
جيل الكلثوميات الذي تربى على وقع خطب الزعيم تخندق الجزء المتأخر منه في الإعلام الإلكتروني بعدما بار مكتوبه في الصحافة الورقية، يجتر الماضي ويريد أن يفرضه على نخبة الشبكة العنكبوتية، يريد أن تنوب الخطب عن الإنجازات ويغيضه أن يرى ملكا لا يؤمن بثقافة المركز، لا يؤمن بدولة العاصمة، يتحرك في كل ربوع البلاد، في جميع المدن والقرى، يزوره ممثلو شعبنا مرة في العام، ويزورهم حيثما يوجدون كل أيام وأسابيع وشهور العام، لكن عرابو الهزيمة يريدون للتاريخ أن يعيد نفسه، كلام في كلام وصدمة وهزيمة، وينسون أن الزبد يذهب جفاء، أما ما ينفع الناس فيمكث في مدنهم وقراهم شاهدا على زمن الفعل.
عرابو اللغو والهزيمة الذين احترفوا الكلام لا يستقرون على حال لأنهم يحنون إلى زمن الدكتاتوريات العربية أيام وكالة “جانا” الليبية التي لم تكن تكتب إلا لغو العقيد الذي ترك بلادها لا تملك إلا كتابا أخضرا وقناطر مقنطرة من خطب الزعيم.
عراب اللغو والهزيمة يشتغل لحساب أحد بقايا ثقافة النكسة والإطناب في الكلام الذين يفهمون في كل شيء وظهروا على حقيقتهم طوال سنة 2011، أيام التيه في الشوارع، بحثا عن شعب يسمع لغوهم فإذا به لهم من الناكرين.
واليوم فإنهم يطرحون سؤالا، لماذا تنقل التلفزة الرسمية تحركات جلالة الملك في المدن والقرى ليرعى ما ينفع الناس، لأن الصورة النمطية للزعيم التي استوطنت عقولهم والتي تؤدي حتما إلى الصدمة والنكبة والبكاء والنحيب لا تستقيم مع حركية الواقع، فلا بد لهم أن ينبحوا، ولكنها أصوات مبحوحة سيركنها التاريخ في الأقبية الباردة إلى جانب حطام تماثيل الزعيم وخطبه.
فبشرى للعراب بزعيمه وبخطب زعيمه وكتابات زعيمه وكل الزعماء الذين يحب من تندوف إلى قصر “المرادية” إلى باب العزيزية في طرابلس، إلى قصر العروبة في القاهرة، فهي خطب لن يرضى الشعب المغربي بمغربتها لأن التاريخ لا يعيد نفسه، ولأن الشعب المغربي يعرف أن هتلر وبيانات وزيره في الدعاية كوبلز لم تصنع المعجزة الألمانية، لكنه ترك خطبا ورصيدا حول كيفية صناعة الوهم، تشكل اليوم مرجعا لكل الأقزام الإلكترونيين الذين ظنوا أنهم وجدوا الزعيم، وأنهم قاب قوسين أو أدنى من الحلم لا ينقصهم إلا تركيز أعمدتهم كل مرة حول كل من يتحرك من أجل خدمة المغرب وقضاياه واقتناص صور زعيمهم الآتي من الزمن الدكتاتوري في كل مرة يتحرك فيها ليقولوا أنه لازال حيا، ويخطب من أجلهم في كل عواصم العالم، بحثا عن الوهم الذي لن يرى النور أبدا.
” فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال”.