بلاغ للديوان الملكي حول ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة
بدون سابق إنذار ودون مناسبة وفي خطوة اعتبرها كثير من المتتبعين أول سابقة من نوعها أصدرت الأمانة العامة للدائرة السياسية التابعة للعدل والإحسان بيانا ناريا شديد اللهجة انتقدت فيه الزيادات غير المبررة في السلع والمواد العذائية ووجهت تحذيرا إلى كل من يهمه الأمر للتوقف عن سياسة اللعب بالنار وتأزيم الوضع الإجتماعي والإقتصادي المتأزم أصلا، كما حملت النظام المغربي مسؤولية أي انفجار اجتماعي يهدد السلم الإجتماعي الهش من خلال المس بالقدرة الشرائية للمواطنين والإستمرار في سياسة التفقير والتجويع.
إنها فقرة من المقدمة الطللية التي خص بها موقع “لكم” البيان الأخير للدائرة السياسية للعدل والإحسان تحت عنوان: “هل البيان هو طوق نجاة لحكومة العدالة والتنمية”، واجتهدت “لكم” في أن البيان يحمل رسائل إلى لوبيات الفساد والدولة العقيمة والقوة الحية داخل المجتمع وإلى حزب بن كيران وإلى القوى الدولية.
هذا التمطيط في استخراج الرسائل ذكرني عندما كنت صحفيا مبتدئا في إحدى اليوميات عندما توصلت ببيان من إحدى جمعيات قرية من قرى المغرب المنسي يصر فيها رئيسها على توجيه بيان شديد اللهجة إلى الإدارة الأمريكية ويحذرها من مغبة اتخاذ قرار عدائي تجاه إحدى دول جزر الوقواق، فما كان منا إلا أن ننشر هذا البيان الهام في الصفحات الداخلية لرئيس الجمعية الذي لا يملك من القوة إلا طابع الجمعية، ليس اعتقادا منا أن نشر البيان سيدفع البيت الأبيض إلى عقد اجتماع مستعجل لأجهزة الأمن القومي من أجل دراسة التحديات الواردة في البيان والتعامل معها بالجديةالمطلوبة، لكن من أجل ترطيب خاطر صاحبنا لتقوية وضعه الاعتباري داخل القرية المنسية ردا لجميل شرائه نسخة من اليومية في قرية لا تصلها صحيفتنا إلا بعد يوم أو أكثر من صدورها.
ثقافة نشر الفرقعات الهوائية لم تعد حكرا على جمعيات قرى المغرب المنسي، لقد وجدت طريقها إلى الشبكة العنكبوتية، لهذا على الدولة أن تجمع وزارة الأمن القومي وتفكك شفرة البيان الناري الشديد اللهجة الذي قدمه موقع “لكم”، الذي تحول في إطار الحوار بين المتناقضات الذي يرعاه صاحب “ماركة كمون 2018” إلى منبر جر الديمقراطيين إلى سوق نخاسةالفكر الشمولي بأي ثمن.
فحسب قراءة البيان فإن الزيادة في أسعار بعض المواد سواء التي تقررت أو الآتية تتحمل مسؤوليتها الدولة، كأن مرسوم المقايسة تم اقراره خارج الحكومة، وأن سياسة تحرير الأسعار التي برمجتها الحكومة منذ منتصف شهر غشت هو قرار غير حكومي وأن قرار تجميد تطبيق المقايسة الذي أعلنه نجيب بوليف هو قرار غير حكومي، و أن الذي تعهد بالحفاظ على سعر البنان في السوق يوم قررت الحكومة الزيادة في أسعار المحروقات ليس بن كيران.
العدل والإحسان تريد أن تفهمنا أن الإسلام لا علاقة له بالزيادة في الأسعار و أن حكومة بن كيران الإسلامية لم تقرر نظام المقايسة وتحرير الأسعار، فمنذ تحمل العدالة و التنمية للمسؤولية الحكومية والإسلام السياسي الذي تدافع عنه العدل و الإحسان في مأزق، لأن الجماعة التي راهنت على لعب ورقة البديل الإسلامي من خارج المؤسسات ترى أن الرأي العام صوت للعدالة والتنمية وهو الآن يمتحن سياستها الإجتماعية والإقتصادية بإسم البديل الإسلامي وهو ما ينعكس سلبا على الجماعة ويساهم في انحسارها داخل النسيج الإجتماعي، لأن البديل الإسلامي لم يعد “رمانة مغمضة”، بل أصبح قرارات قد تصيب و قد تخطئ و أنه اجتهاد بشري لا علاقة له بصحة الإيمان أو المعتقد بل بطريقة تدبير الشأن العام بعيدا كل البعد عن أركان الإسلام و أنه قابل للمناقشة و للمراجعة و للخطأ و الصواب و أن المساءلة عنه تتم في الأرض لا في السماء.
تكتيك “الرمانة المغمضة” الذي راهنت عليه العدل و الإحسان فقد بكارته، فلم يعد في إمكان العدل و الإحسان أن تلعب ورقة البديل الإسلامي و استبلاد الفرقاءللإنتحار السياسي من أجل خط لا يملك مقومات الحياة وضمانة احترام الإجتهادات الأخرى استلهاما لنموذج الثورة الإيرانية من أجل نصب الفخاخ للمكونات الديمقراطية حتى تنجح في مشروعها الإخواني و تقتص منهم واحدة بعد الأخرى يوم نجاح مشروعها الشمولي.
اليوم تغيرت الأوضاع فالسياسة الحكومية سياسة و سياسة الدولة و قراراتها السيادية قرارات سيادية و قرار الزيادة في الأسعار هو قرار حكومي صرف، فالرأي العام اليوم ينتظر من الحكومة أن تفعل برامج أحزابها الإنتخابية أو على الأقل برنامجها الحكومي الذي على أساسه نالت ثقة نواب الأمة.
فالشغل و التطبيب و السكن و تحديد الأسعار و النقل و السياسة الضريبية ليست قطاعات سيادية حتى تتدخل فيها الدولة، كما أن لا علاقة لها بالإسلام فليس هناك مفهوم إسلامي للتطبيب و الشغل و السكن و النقل و تحديد الأسعار، فهي مسائل لا دخل للدين في تحديد قيمتها و أنها سياسة اقتصادية و طريقة تدبير لا علاقة لها بالصلاة أو الصوم أو الزكاة حتى نأصل لها بالقرآن و السنة.و من هنا يأتي المأزق الذي عبر عنه بيان العدل و الإحسان.
المقدمة الطللية لبيان الفرشة /المأزق يتحدث عن انخراط العدل و الإحسان في الإحتجاجات الإجتماعية و النزول بثقلها في الساحة الإجتماعية، كأن العدل و الإحسان منذ تأسيسها و هي حاجبة لم تخرج إلا إلى قيسارية 20 فبراير برجالها و نسائها و بعدها عادت إلى حجبتها.
الجماعة منذ ولادتها إلى اليوم ليس لها إلا هدف واحد هو القومة، لهذا لم تكل من تربيةجندها ودفعهم للزحف على الحكم و من يومها وهم تائهون يبحثون بالمكشوف عن الجثث و السراب في شوارع المملكة بدءابالقطاع الطلابي و القطاعات النقابية الأخرى و المشاكل الإجتماعية الأخرى تنقيبا عن الشرارة، معركة لم تبخل فيها الجماعة من توزيع الأدوات المدرسية و الأضاحي و تنظيم القافلات الطبية و دروس التقوية و تأطير المآتم و المشاركة في الجنائز و تنشيط الأفراح و تنظيم الأبواب المفتوحة و الإفطارات الرمضانية و جمع الإعانات بإسم المعوزين و زيارة المرضى و غيرهم استلهاما لتجربة الإخوان في مصر، لكنه الشعب الذي قرر إذا كانت الجماعة و أفرادها يريدون ثواب الآخرة فحساب ذلك عند الله، أما إذا كانوا يريدون أجر الدنيا فحساب ذلك عند الشعب، الله يرحم اللي مات والله يخلف على من جا وجاب والله يخلف علىمن انفق والله يجعل الحسنة في الميزان المقبول، إنه الشعب يعرف ما يريد و يعرف ما تريد الجماعة و ما تريد لكم و ما يريد صاحب لكمو أصحاب صاحب لكم، و لا شيء يعلو فوق إرادة الشعب .
لقد رفض الشعب أن يجاري كل الذين يدعون أنهم يحبونه، يبكون في مأتم في هذا الحي و ينشدون من أجل زفاف في الحي المجاور، يتأسفون لضحية حادثة سير في الزنقة الأولى و يؤازرون الذي تسبب في الحادثة صاحب السيارة في الزنقة المجاورة، يلعبون على كل الحبال و بين الحي و الحي المجاور يبحثون في قاموسهم عن الموعضة الملائمة المهم أن يستفردوا بالشعب.
و اليوم فقد قاموس الإستفراد بالشعب بكارته، لم يعد له البريق الذي كانله أيام زمان، فلا بد إذا من خلط الأوراق حتى يتحمل عمر وزر خطايا زيد لتسود عمامة الجهل و ينتصر حوار التغرير بالذين فقدوا جماهيريتهم و لا يملكون إلا دكاكين أجمل ما فيها يافطة الإنتماء إلى جيل الديمقراطيين في انتظار خروج الشعب الذي لن يخرج.
إنها الحقيقة حقيقة الشعب وحقيقة الجماعة والموقع وصاحب صاحب “الشيخ والمريد” والخبير الإعلامي في الكُرديات.