المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض
ما بين سنتي 1999 و 2000 تسلم أربعة ملوك مقاليد الحكم، لكن ملكا واحدا من بين هؤلاء الملوك العرب عرف كيف يتجنب رياح الربيع العربي بطريقة زادت من شعبيته. فقد أغرق بشار الأسد الذي خلف والده حافظ البلاد سنة 2000 في حرب أهلية، فيما يواجه الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي تسلم مقاليد الحكم بالبحرين سنة 1999، مد المظاهرات المستمرة التي تنظمها الأغلبية الشيعية، أما الملك عبد الله، الذي اعتلى عرش الأردن سنة 1999، فلا زال لم يستجب للدعوات المتواصلة، خصوصا من طرف المعارضة الإسلامية القوية للانتقال إلى ملكية دستورية.
ومن بين هؤلاء الملوك الأربعة الذين اعتلوا العرش ما بين 1999 و 2000، وحده الملك محمد السادس من تمكن من الإفلات من قبضة الربيع العربي، فهو لم ينجح في الحفاظ على استقرار البلد، بل وضع أسس إصلاح حقيقي حاز على دعم المعارضة، حيث يبدو، ونحن نقترب من الذكرى الثالثة لاندلاع الربيع العربي، ومع ما تعيشه بلدان مصر وليبيا وسوريا، أن نجاح الملك المغربي ليس له مثيل.
وقد ركز الملك محمد السادس كثيرا على الحاجة إلى المأسسة والحكامة الجيدة، وكان إنشاؤه لهيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 رسالة قوية لرغبته في القطيعة مع الماضي، إضافة إلى مدونة الأسرة الجديدة التي منحت المرأة حقوقا أفضل فيما يتعلق بقانون الأسرة والأحوال الشخصية، ناهيك عن وضع القوانين الخاصة بكفالة الأطفال وتحديد السن القانوني للزواج.
ورغم هذه الإصلاحات، بدا تطبيق الإصلاحات صعبا في بلد تنخره الرشوة. وفي شهر فبراير 2011، سيعرف المغرب موجة من الاحتجاجات قادتها حركة “20 فبراير” بحوالي 53 مدينة، وهي المظاهرات التي استجاب لها الملك محمد السادس ليس من خلال تحريك آلة القمع أو من خلال اعتبار أن المطالب غير واقعية، بل أعلن الملك محمد السادس خلال شهر مارس من نفس السنة عن إصلاحات دستورية، حيث تم تعديل الدستور المغربي.
وبعد التعديل الدستوري، الذي وافق عليه الشعب المغربي من خلال الاستفتاء، تم تنظيم انتخابات برلمانية شهر يوليوز 2011، عرفت فوز حزب العدالة والتنمية بأكبر عدد من المقاعد. ومن الأشياء المثيرة في المغرب، هي أنه وبالرغم من كون الإسلاميين يشكلون أغلبية الحكومة، إلا أن المملكة المغربية تجنب الصدام العلماني-الإسلامي الذي شهدته تونس بعد فوز حزب النهضة بالانتخابات والوصول إلى السلطة. وقد تمكن المغرب من تجنب هذا الاصطدام نظرا لتركيز حزب العدالة والتنمية على الفوز بالمقاعد بالبرلمان أكثر من تركيزه على خطاب تطبيق الشريعة الإسلامية، ولأن الملك هو “أمير المؤمنين” والحافظ للهوية الإسلامية بالمغرب، وهو ما جعله يلطف علاقته مع المعارضة، إضافة إلى أن له الشرعية لإطلاق مبادرات مع وزارة الأوقاف للترويج للمذهب المالكي. كل هذه العوامل ساعدت المغرب على تحقيق سلم اجتماعي غير مسبوق وسط تنوع ديني كبير في الشرق الأوسط، فالمسيحيون واليهود لا زالوا يمارسون شعائرهم الدينية بكل أريحية فيما يبقى الإسلام هو ديانة المغرب.
وبعد وضعه للإصلاحات على الصعيد الداخلي، شرع الملك محمد السادس في لعب دور أوسع على المستوى الجهوي، ولعل زيارته الأخيرة إلى دولة مالي رفقة الرئيس الفرنسي خير دليل على ذلك. ويمكن للمغرب أن يلعب دورا مهما، في منطقة الساحل، كطرف في معادلة محاربة الإرهاب عوض الاعتماد فقط على الجزائر كما قامت بذلك كل من الأمم المتحدة وأوروبا. إلى جانب ذلك، فإن العلاقات التاريخية بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي ساعدت على الدفع بالاقتصاد المغربي المتذبذب، فقد صار الملك محمد السادس حليفا مهما ومستشارا للملكيات الخليجية، غير أنه يجب أن يرتفع دور المغرب على الصعيد الدولي في المستقبل، خصوصا بفضل موقعه الاستراتيجي وسط أربع مناطق للتأثير (المحيط الأطلسي، إفريقيا، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا).
كل هذه الأمور لا تعني أن المغرب لا يواجه أية تحديات، فهو يواجه صعوبات اقتصادية كبيرة، ومن بينها معدل الفقر الذي يصل إلى 9 بالمائة ومستوى البطالة وسط الشباب الذي يصل إلى 18 بالمائة، بالإضافة إلى النظام التربوي السيئ ومعدل 97 بالمائة من الأمية. وإضافة إلى كل هذا، نجد بعض المشاكل السياسية، حيث انسحب حزب الاستقلال خلال شهر ماي الماضي من الحكومة، إذ لا زلنا لا نعلم مدى تأثير هذا الانسحاب على الاستقرار السياسي بالمغرب.
ورغم العدد الكبير من التحديات التي واجهها الملك محمد السادس، فإنه الملك الوحيد من بين الملوك الآخرين الذي تسلموا مقاليد الحكم سنتي 1999 و 2000، الذي عرف كيف يتجنب رياح الربيع العربي، وذلك بفضل رغبته في وضع إصلاحات حقيقية وقدرته على الاستجابة لمطالب المجموعات المعارضة.
والآن، يبدو أن أولويات الشعب المغربي التي يرغب في تحقيقها هي محاربة الرشوة والقضاء على الفقر وتحسين مجال التعليم. لذا، شجع الملك محمد السادس في خطابه بتاريخ 11 يوليوز الماضي الحكومة قائلا ” ويظل هدفنا الأساسي من النمو الاقتصادي هو تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي أساس التسامح الاجتماعي.”