قراءة الكلمة الغلط حول العنوان الغلط التي وجهها علي أنوزلا إلى لقاء أمستردام، لا يمكن أن تمر دون أن يأسر المرء استعمال كلمات فقدت مدلولها عندنا منذ زمان بكثرة استعارتها بشكل تدليسي من طرف بعض المتمثلين لأدوار غيرهم من قبيل لازمة: “وأشد على أياديكم القابضة على المبادئ كالقابض على الجمر”. وبحثت حقيقة عن الأيادي القابضة على الجمر في زحمة الكلام الكبير فلم أجدها، لم أجد إلا الأصوات التي تعودنا على سماعها في زمن السطو على التاريخ، فليست المرة الأولى في تاريخ المغرب التي نجد فيها أناسا تداعب كلمات لا تستقيم مع حقيقة الحال وتسطو على تاريخ الرجال الذين قبضوا حقيقة على الجمر في زمن الجمر الحقيقي وليس زمن فلوس هولندا والنضال الفموي في فنادق الخمس نجوم.
ليست المرة الأولى التي نسمع فيها صوت من يبحث عن البطولة الكرطونية تحسبا للآتي، فكل مرة يفقد فيها أحد زعماء الكارطون بكارته في صراع اللغو يتدثر بالكلام الكبير، ووحدهم المهمشون في ايميضر والمنسيون في جبال الأطلس وأطفال القرى الفقيرة والمعزولة وغاضبي تازة والناضور ووجدة، وسكان أحزمة الفقر في المدن الكبيرة وسكان سيدي افني وآسا الزاك وأحباء مدن الصحراء المحاصرة في العيون والسمارة، كما سماهم الزعيم، هم عنوان البطولة الكرطونية، فهم هنا لترميز كل القابضين بأياديهم على الجمر غير اللهيب والذي تحول لهيبه إلى أوروات من البلاد المنخفضة.
إنه الجمر الحقيقي، جمر تساوي كل وحدة منه أكثر من 10 دراهم مغربية ينزل لهيبها كل شهر بالآلاف في الحساب البنكي ليلهب الجيوب ويشجعها على التمتع بالنضال وعلى الصمود حتى الهزيع الأخير من الليل دفاعا عن أطفال ونساء إنفكو ومعتصمي إيميضر وثوار الريف.
أشد على أياديكم القابضة على الأورو، فمن أجل الأورو تنساب الكلمات، ومن أجل الأورو أبحث عن عنوان في تيه العناوين أحمله مسؤولية كل العناوين الفرعية التي لا نتذكرها إلا في غمرة البحث عن الغزوات الكرطونية درءا لرائحة الصفقات.
“من أراد الكرامة عليه أن يسخو بكل شيء من أجل شيء واحد هو الحرية”، كلمات استعارها علي أنوزلا من مصطفى السيد مؤسس الإنفصال في الجنوب وعَمَّدَهُ شهيدا، فكيف للذي مات أبوه في تخوم الصحراء دفاعا عن المغرب أن يرمز قاتل أبيه ويعتبره شهيدا؟
“من أراد الكرامة عليه أن يسخى بكل شيء من أجل شيء واحد هو الحرية”، إذا كان هذا الكلام صحيحا فما هو الشيء الذي سخي به علي أنوزلا من أجل أن يغادر أسوار سجن الزاكي مادام أن النبي مصطفى السيد هو ملهمه في معركة الكارطون؟ فهل سخاؤه بمحامية كان عنوانا للكرامة ، وهل سخاؤه بموقع “لكم” كان عنوانا للكرامة، وهل سخاؤه في أخذ حقه من تحويلات هولندا بالأورو كان عنوانا للكرامة؟ وهل صمته حول الملف الكبير الثاني المركون في عمق ملفه المكون من كيلوات الوثائق الماسة بأمن الدولة الخارجي هو عنوان للكرامة؟
من أراد الكرامة فعليه أن يسخى بكل شيء، أن يسخى بأهله وذويه ليواجهوا مصيرهم، وبالإدمان على ماكلة الشلايظ والبيتزا، وأن يصمد في زنزانته حتى ولو أقفلت بإحكام، وأن يسخى بالزيارات اليومية في السجن وينتظر كباقي عباد الله الزيارة النصف شهرية، وأن يعتبر نفسه طفلا من انفكو أو معتصما جائعا وظمآنا في ايمضر، وأن يعيش الحصار كما يدعيه في العيون والسمارة، وأن يعيش بؤس أحزمة الفقر في المدن الكبيرة، وعندما تأتي الحرية تأتي حاملة معانيها المتعارف عليها عالميا كنقيض للإعتقال بشروطه المتعارف عليها إعلاميا، والتي لا دخل فيها “للحكم ممثلا في القصر وأدواته من جلادين ومفسدين” من أجل نيلها.
فالكرامة والحرية قيمة مطلقة لا ينال عزها وشرفها إلا الذي عاش نقيضها على حقيقته بعيدا عن الملطفات والمكيفات الخارجية التي لا تتأتى إلا للذين لهم حظوة غير التي يطال لهيبها المؤمنين حقا بالضريبة الحقيقية لمعارك الكرامة والحرية.
بطل الكرامة والحرية لم ينس معاناة سكان مخيمات اللجوء في حمادة تندوف، لكنه كان أخرسا في بسط مصدر وسبب المعاناة حتى يفهم كل فهمه، فمعاناة المُهَجَّرِينَ من شعبنا يريد ربما أن يلصقها بأحد العناوين التي استعارها من خرجته الهولندية، فليس أمامي إلا أن أنشد مع زعيم الكرامة و الحرية.
أشد على أياديكم، أشد بشدة “شْدَّةْ العْمَى في الظلمة” على الأورو حتى تنساب من قلمي الكلمات لتسوق في أسواق إيميضر وأنفكو وكل الجبال والهضاب والصحاري والمخيمات، فأنا البطل الذي استطاع أن يُشْهِدَ على صدقه بن عبد الكريم وبن بركة ومصطفى سيد تندوف عاصمة المخيمات. وأقول معه الحرية للمعتقلين والمجد والخلود للشهداء والنصر للمناضلين الصامدين في مواقفهم والثابثين على مبادئهم.
والله ينعل اللي ما يحشم