خصص الأمير المنبوذ فصلا كاملا لإعتلال صحته لم يكن المهم فيها تفاصيل العملية الجراحية التي خضع لها و لا حتى عزلته في المستشفى و عدم اهتمام كل العائلة بأحواله، لأن المهم بالنسبة له هو محو الصورة التي تسكن الشبكة العنكبوتية حول جسمه العليل، لهذا أسهب الأمير المنبوذ في ذكر تفاصيل ما بعد العملية و التمرينات البدنية القاسية التي خضع لها أو تحملها حتى يرسخ لدى الناس أنه جاهز بدنيا و فكريا (صْحِيحْ فْصِيحْ) لكي يلعب الدور، أي دور؟
الأمير تحاشى الكلام حول المدة الإفتراضية القصوى لإجراء عملية جديدة و التي يحددها الأطباء في عشر سنوات، و المفترض أن تكون في 2017 و حول تأثير المرض المصاب به على الصحة العقلية، إنها أسراره يحتفظ بها لنفسه لأن المهم ليس الأمير كما يرى نفسه بل كما يراه الناس و أقرب المقربين إليه.
فأقرب الناس لا تراه إنسانا متوازنا، و منهم من يحكم عليه حكما قاسيا و يعتبره فاقدا لبوصلة الصواب، فهل هي التداعيات المحتملة لعملية أو سلوك عادي لإنسان يملك طموحا لا يستقيم مع التاريخ؟ إنها أسئلة ستجيب عنها الأيام بكامون فواح.
تحدث الأمير عن أكثر من مرحلة في التاريخ كشاهد ينقل وقائع فيها نظر أو كراوي لأحداث بعيدة على لسان آخرين، تحدث الأمير عن أصوله و ارتباطاته العائلية لكنه لم يتحدث عن مرحلة صنعت كل الفاعلين في المغرب و كانت محددا لسلوكهم السياسي و هي المرحلة التي تحكمت في تطور المغرب السياسي لجيل من الزمن، إنها مرحلة ما بعد الإستقلال مرحلة 1956ـ1961، فهل كانت هذه المرحلة غائبة عن المحيط العائلي للأمير المنبوذ أم أن الأمير تحاشى الكلام عنها بشكل مقصود و لماذا؟
أكيد أن الأمير لم يسمع بها لأن أحد أركان عائلة لغزاوي كان فاعلا فيها و له من الأخطاء الكثير، و كان مسؤولا عن أكثر من مأساة طالت أعضاء المقاومة و جيش التحرير، فحسب منطق الأمير فالحاج محمد لغزاوي لم يلعب أي دور لا سلبي و لا إيجابي في مرحلة ما بعد الإستقلال.
الأمير المنبوذ لم يكن مهووسا إلا بجلد عائلته لأبيه، أما باقي مكونات العائلة من الأصهار و غيرهم فقد قفز على تاريخهم لأنهم لا يشكلون عائقا أمام الدور الذي يطمح إليه.
لم يتحدث الأمير في كتابه عن هوسه بالتحكم في الصحافة و كيف رشى أكثر من منبر وسلط “بَابَاغِيُّو دْيَالُو” لشراء أسهم في أكثر من منبر ونشره في الوسط الصحفي لإلتقاط الصحفيين عند أول عثرة و تقديمهم للأمير المنبوذ كرجل لا تظهر أمواله و لا يحضر تضامنه إلا عند “الشدة”، فالأمير هو الآن صاحب مجلة “وجهة نظر” و يتكلف بالمصاريف “العلمية” للأستاذ المتقاعد الذي تفرغ لثقافة الكامون و هو الشيخ العلمي و المالي لصاحب “الشيخ و المريد”، و مؤخرا استطاع أن يقنع بفتحه العظيم أحد التوارخية ” كوجه غير محروق” كلفه بالتلاقح التاريخي بين “الذيب والنعجة”، الذي سيعطي كائنا لا هو بلاحم ولا هو بعاشب من المفروض أن يقود استحقاق الكامون، وبمقتضى مشروع التلاقح لم يعط الأمير أي دور لصاحب “الشيخ والمريد” حتى لا يغضب جماعة المريدين الذين غيب الموت شيخهم.
لكن الأمير ينسى أن المغاربة أذكى مما يتصور، المغاربة الذين هاجم نخبتهم السياسية والنقابية لأنهم هجروا جلسات النميمة التي كان يتصور أنهم سوف يدمنون عليها ليتابعوا “اخْبِيرَاتْ الدَّارْ لَكْبِيرَة” وخرجوا بخلاصة أن الرجل “عَنْدُو شِي حَاجَة نَاقْصَة وعَرْيَانْ لِيهْ شِي خَيْطْ” ليعود بعد سنوات وينتقم منهم بكلام جارح ويصور قادتهم التاريخيين بأنهم كانوا مدمنين على الكحول في حضرة الوالد الراحل.