كان الأمير يراهن رهانا كبيرا على النخبة التي يسعى إلى تعبئتها منذ أن قرر أن يلعب “أنا أو حاراما”، وهي لعبة لعبناها صغارا. كنا نمارس بها وهم “أنا أو لا شيء” التي تعبر في العمق عن تضخم الأنا وعن الثقافة الإستبدادية كما يتجلى اليوم في لعبة الأمير، فإما أن ألعب في فريق المخزن أو ألعب ضد المخزن “ومنذ قرر أن يلعب ضد المخزن في استحقاق حاراما”، وهو يبحث عن فريقه الذي سوف يخوض معه المعركة ضد المخزن، أي البحث عن نخبة تخوض معه المعركة. وبعدما صدر الكتاب انتظر سلطان المبعدين أن تخوض معه النخبة معركته الأخيرة ضد المخزن وبدأت الأصوات ترتفع من هنا وهناك تفضح المسكوت عنه في علاقة المبعد بالمبعدين والمنبوذين، يظهر أن الناس لم تكن في كل المرحلة السابقة نخبة مستقلة، كانت نخبة مرتشية، متملقة، النخبة التي كانت تقول أنها معارضة وأنها صاحبة قيم ظهر أنها نخبة ذات جيوب مفتوحة، نخبة ملهوفة على الدرهم لهذا أصابها ما أصابها فمنهم من دخل اللعبة بريئا و خرج منها بريئا، و منهم من تورط و استطاع أن يستجمع شجاعته في نصف الطريق و يبحث لنفسه عن محتضن ربما أكثر سخاءا أو بكلفة سياسية أقل ثقلا يحقق معها كل طموحات الدنيا بدون وزر سياسي كبير،ومنهم من دخلها على طمع وبقي طامعا إلى اليوم يلهف الدرهم ليدغدغ أنا المبعد والمنبوذ حتى تنقضي نقوذه.
لعبة البحث عن النخبة التي معي ضد أبناء عمومتي لم تتوقف ولن تتوقف، فالمنبوذ لا يريد إلا المنبوذين ولهذا يعيش هذه الأيام زمن حرية التعبير الآن، حرية أصحاب المنبوذ الآن. اقتضت المرحلة أن يقودها رجل يلبس جلباب التوارخي ضمت أطيافا من المنبوذين في الوقت الذي تراجع إلى الخلف رجل وجهة نظر الذي رعى المشروع حتى يأخذ المشروع مسافته الضرورية أمام الرأي العام من الراعي الأكبر سلطان المبعدين، فهنيئا لنا جميعا بأصحاب الحرية، حرية الصحافة والتعبير الآن التي انفتحت حتى على العدل والإحسان ضامنة الحريات.
لعبة البحث عن النخبة التي معي ضد أبناء عمومتي تبحث لنفسها عن موطأ قدم في المجتمع السياسي، قد تقول الناس الآن بعد خرجته، وبعد أن عبر المخزن عن سعة صدر لترهات الأمير يمكن للأمير أن يقطع مع ماضيه الأميري و يلبس جبة المواطن و يؤسس لنفسه حزبا يطرح من خلاله بديل المبعدين أمام الرأي العام الذي له الحق أن يختار البديل الذي يريد إذا كانت هناك ضرورة لبديل، لكن الأمير لا يريد أن يتواضع، يريد أن يبقى أميرا لأن للأمير ريعه الذي لا يريده أن يضيعه بشكل مباشر مادام يتوفر على المخازنية الذين تكلفوا باللازم و ظلوا يطوفون ليل نهار حتى يتم تبييض مشاريع سلطان المبعدين في صيغة مشاريع مستقلة كحال مشروع الحوار بين إسلام الخلافة و بقية المبعدين و الملفوضين و المهمشين في المجتمع السياسي، لأن سلطان المبعدين و المنبوذين يريد من جنده أن يهيؤوا له إطارا واسعا حتى يكون أميرا يلعن في الوقت المناسب إمارته للمبعدين بعد أن يكون قد ضمن تحت جلبابه العدل و الإحسان و نخبة زمان و قدماء المتحلقين حول المرحومة “النشرة” في مشروع يعتبر الشعب المغربي شعبا في المزاد، قابل للبيع يشتريه سلطان المبعدين من مال الورثة، يشتري لنفسه جماعة إسلامية و ما تبقى من قدماء اليسار الذين هجرهم الشعب ليبني بهم نخبة مضادة للمخزن و نخبته.
فمبروك عليه نخبة المزاد، و نتمنى أن يقبضوا ثمنا يسيرا يستقيم مع ماضي كل واحد و تاريخ كل واحد و شعبية كل واحد منهم، فمنهم من سيكون سيد نفسه في البيع و الشراء أما جماعة الخلافة فهو ينتظر منها أن تبيع نفسها جملة و ليس فرادى في سوق التغيير و البدائل، و ما عليها إلا أن تروج لحصيصها و قدرتها على تعبئة الشارع، فالأمر يستهويه هو الآخر، لغة الألف التي تتحول في العد إلى خمسين ألفا و العشرة آلاف التي تتحول في العد إلى مليون لأن الطماع لا ينال منه إلا الكذاب.
منطق من معي و من ضدي لا يسري على الداخل بل يسري كذلك على الخارج، إنه نفس المنطق و نفس الوسائل، فكل المبعدين و كل المنبوذين لهم ثمن، فالأمير يشتري لنفسه نخبة كما يشتري أي عقار، فكلما ظهر رجل في سوق المبعدين يتطوع الأمير ليشتريه، يشتريه ولا يستعمله إلا حيث يريد كما حدث مع زعيم الضباط الأحرار الذي لم يعطه إلا ثلث ما وعده به و لم يشتريه إلا ب 20 ألف أورو ليصدر بيانات الضباط الأحرار، فبعد عسر نخبة الداخل التي فضلت أن تعود إلى الخلف و فشل شيخ المبعدين و المنبوذين في تحقيق تعبئة للرأي العام حول كتابه، ظهر له أن التغيير في العالم العربي وفق منطق الثورة الخلاقة لا يمكن في ظل الإستيلاب الفكري و المعرفي إلا أن يأتي من الخارج، و لهذا طلعت علينا نيويورك تايمز بمقال” بمنطوق أنا هنا” أخذت فيه تصريحات صحفي فرنسي متقاعد و باحث له مكانة خاصة في مغرب الستينات علها تفيذ المطلوب.
و حتى نكون موضوعيين لن نذهب بعيدا، سوف نعود فقط إلى ما صرح به الأمير في كتابه حول جون واتيربوري في الصفحة 181 حيث يقدم الأمير الباحث الشاهد على أساس أنه مستشاره و أنه بناء ا على نصائحه و نصائح إدوارد سعيد خلق لنفسه معهدا في برنستون، فلو كان الراحل إدوارد سعيد حيا فإنه كان هو الآخر سيتحدث عن القيمة العلمية للكتاب الذي أصدره الأمير الذي خلق لنفسه معهدا و اقتطع من الإرث الذي لم يأت من الريع مبلغ ستة ملايين دولار و استثمرها كوقف لتمويل تسيير معهده في برنستون، إنها الأمانة العلمية فالأمير لا يشهد له إلا الذين يرتبطون “علميا” بمشاريعه “العلمية” “شكون يشكر العروسة غير خالتها و العَمْيَة ديال عمتها”، إنها قمة الموضوعية العلمية.
أما الصحفي الكبير الذي تنبأ بناء ا على تسريبات الأمير بإنهيار الملكية في المغرب خلال سنوات قليلة، فالحمد لله أنه لازال حيا و قد مر على العهد الجديد خمسة عشر سنة، فعوض أن يلعق تحاليله التي تبين أنها مكتوبة من محبرة تفتقد الموضوعية ها هو يعود إلى الشهادة للأمير، فمن يكون الصحفي المتقاعد، إنه” إينياس ظال” أحد الكتاب الثلاثة الذين تناوبوا على كتابة “الأمير المنبوذ” و هذه هي الحقيقة بعد أن ساهم في كتابة الكتاب و مراجعته لقاء أجر معلوم، هاهو يعود ليشهد بالقيمة الإستثنائية للكتاب، و نعم الشهادة و نعم الموضوعية، إنها قمة الإستقلالية و شهادته يعتد بها.
لم يجد الأمير غير عضو في الهيئة العلمية لمعهده و كاتب كتابه ليشهدوا له، و شهد شاهد من أهلها و بشرى لنا بالبديل و بالتغيير الآتي.
من منا لا يعرف “إينياس ظال”، فشهود موضوعيته لازالوا أحياء من رجالات البصري يوم كان الصحفي الذي أصبح متقاعدا في قمة عطائه و كان البصري في قمة جبروته، و لحسن حظ المغرب كان البصري لا يحيط نفسه إلا بالشباب الذين لازالوا أحياء شهداء على نظافة يد أحد كبار الصحفيين وعن موضوعيته بعد 1999 في التعاطي مع الشأن المغربي.