الحصيلة السنوية للأمن الوطني: إحصائيات مكافحة الجريمة بكل أنواعها والتهديدات الإرهابية
تحل يوم الجمعة الذكرى 11 لأحداث 16 ماي الإرهابية بكافة تفاصيلها الأليمة التي شكلت صدمة ورجّة للمغاربة، في وقت أصبح فيه مفهوم الإرهاب مركزيا في نقاشات المجتمع الدولي، وحاضرا في أروقة المنظمات العالمية التي تعمل على تحقيق السلم بشكل شمولي، وفي كواليس ودواليب دوائر القرار في حكومات القوى الدولية الكبرى، وفي ظل استمرار الخلاف حول تحديد مفهوم الإرهاب وتحديد معناه وتمثلاته، لكونه لا ينحصر اليوم فقط في التنظيمات الإرهابية، بل في السياقات السياسية والاقتصادية والحضارية المؤدية إليه والمنتجة لشروط وجوده، وبالتالي فإن استئصال العناصر الإرهابية دون معالجة حقيقية لهذه السياقات لن يؤدي إلى أي نتائج ملموسة، أخذا بعين الاعتبار أن الإرهاب أضحى ظاهرة تغزو مجتمعات جميع دول القارات الخمس، وهي تتأسس على مرجعيات دينية وسياسية وإيديولوجية تؤمن بالفكر الأحادي، والفهم المغلوط للدين، وإقصاء الآخر المختلف فكريا وعقديا وإثنيا باستعمال سلاح القتل الجسدي والمعنوي، والتطرف في الأفكار، وتحوير المرجعيات، لتصبح أدوات تشرعن القتل والتكفير والتطرف. هذا الحدث الذي نخلده هذه السنة، نرى أنه يتم، انطلاقا من ممارستنا الميدانية وقراءتنا للمعطيات المتعددة التي تمت مراكمتها على مرّ كل هذه السنوات، في غياب أي تعبئة مجتمعية حقيقية من أجل استخلاص العبر من محطة 16 ماي – التي كنا نتمنى أن تكون استثناء – ، ومن محطات أخرى تلتها للأسف، ومن أجل استنهاض الهمم والعمل على مواجهة فكر التطرف والغلو، والإقصاء، وكل أشكال الدعوة بالعنف المادي والمعنوي للفكر الأحادي، بعيدا عن كل مايمت بصلة لقيم الإسلام كدين وسطي معتدل، وفي رفض مطلق لكل أشكال الإيمان بالتعدد والاختلاف والسلام والتعايش وسائر القيم الكونية الفضلى التي تدعو إلى احترام الغير بغض النظر على مرجعيته العرقية والدينية والفكرية. إننا في الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش، الجمعية التي تأسست في 9 يونيو2003، بعد أحداث 16 ماي، وظلت تشتغل ميدانيا بالاعتماد على مقاربات متعددة في مقدمتها المقاربة الفكرية، لنسجل وبكل أسف: التعامل المناسباتي والظرفي مع موضوع الارهاب والتطرف الذي أضحى يتخذ أبعادا وتجليات عدة. عدم تعامل الحكومة المغربية بجدية مع عدد من القضايا التي طرحتها الجمعية ونبهت إليها، وعدم التجاوب الكلي مع مراسلاتها المفتوحة ومطالبها، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر:
– الدعوة لإحداث صندوق وطني لدعم ضحايا الارهاب وذويهم إسوة بما هو معمول به في العديد من الدول صونا لكرامة الضحايا وذويهم
– العجز عن تشكيل لجنة موسعة لتقصي الحقائق في أحداث 16 ماي 2003، علما بأنه وإلى حدود الأمس القريب، كان رئيس الحكومة الحالي ومعه ثلة من مناضلي حزب العدالة والتنمية، يشككون في الرواية الرسمية حول الخلفية التي تحكمت في “إنتاج” الانتحاريين الذين كانوا وراء أحداث 16 ماي، وما تلاها من أحداث إرهابية أخرى، فهل سيعود هذا الحزب لإنتاج نفس الخطاب بعد مغادرته للحكومة يوما ما؟
– عدم اتخاذ تدابير إجرائية من أجل التصدي لموجة الإرهاب الفكري ودعاة سفك الدماء تحت يافطة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وهي الحملة التي عادت بشكل أكثر قوة من التي كانت عليه قبل 16 ماي، مستهدفة ليست فقط المثقفين والمفكرين والسياسيين المعنيين بشكل مباشر، وإنما أمن واستقرار المغرب، وتهدف إلى ترويع المغاربة والمس بسلامتهم، وغاية أصحابها الاستفراد بالشأن الديني والتحكم فيه.
– عدم التفاعل مع انعدام تنشئة دينية سليمة لفئة الصمّ المغاربة الذين يشكل عددهم نسبة 4.1 في المائة من المغاربة، وانعكاسات ذلك عليهم.
إن الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش وبمناسبة الذكرى 11 لأحداث 16 ماي يدعو إلى: ضرورة الاشتغال في جميع الواجهات وبكل المقاربات، الأمنية منها، والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، لمواجهة كل أشكال الإرهاب والتطرف والعوامل المحفزة والمساعدة على إنتاجها، وفي مقدمتها أعطاب البنية الثقافية والتعليمية وإشكاليات التهميش في البنية الاجتماعية. إشراك واستحضار ضحايا الأحداث الإرهابية وذويهم في أية معالجة أو تسوية مع من ساهموا في وقوع العمليات الإرهابية سواء من خلال التحريض أو الدعم المادي أو المعنوي، مراعاة للجروح النفسية العميقة التي خلفتها لديهم. يشدد على أن من بين أبرز قيم حقوق الإنسان هو تمتيع المتابعين في الأحداث الإرهابية بمحاكمة عادلة تضمن حقوقهم وتوفر لهم كل الشروط، دونما انتهاك أو انتقام، من أجل التأكد من ضلوعهم فيها وإعمال القانون بشأن أفعالهم. يؤكد على ضرورة إعادة النظر في التشريع المغربي المتعلق بقضايا الإرهاب لكي يكون منسجما مع المعايير الدولية وأن يحفظ حقوق الضحايا. يشدد على ضرورة إحداث مؤسسات لمواكبة ضحايا الإرهاب وعائلاتهم وتأهيلهم نفسيا، والعمل على مساعدتهم على تجاوز المحن التي تخلفها الأحداث الإرهابية على أوضاعهم النفسية والمهنية والإنسانية. يدعو وسائل الإعلام المختلفة إلى التعامل مع قضايا الإرهاب دون المس بقرينة البراءة، وعدم الإدانة إلى أن يقرها القضاء، مع حثها على التحسيس والتوعية بمخاطر الإرهاب عوض الاكتفاء بنقل أخبار تفكيك الخلايا أو متابعة الحوادث الإرهابية فحسب. يسجل ضرورة مراجعة الدولة لسياسة هيكلة الحقل الديني التي بدأتها الدولة منذ أحداث 16 ماي، والتي أثبتت عجزها وقصورها في تجديد الخطاب الديني للمؤسسات الدينية الرسمية، وتحصين المجتمع المغربي من أفكار دينية دخيلة عليه وقادمة من دول إسلامية مشرقية بيئتها الدينية بعيدة عن طبيعة التسامح والتعايش التي يتميز بها المغاربة منذ 14 قرنا. ينبه إلى غياب الكتب التي تتحدث عن الأشاعرة والوسطية الموحّدة بالمكتبات، والتي إن وجدت بعدد قليل يتم اقتنائها من طرف جهات معينة بغاية إفراغ هذه المكتبات منها، وإغراقها بالمقابل بكتب الفكر الوهابي والكتب المنظرة للفكر السلفي وفقا لغايات معينة، بطباعة وإخراج متميز وأثمنة في المتناول، بعيدا عن أية رقابة ومتابعة من المؤسسات المعنية والمتمكنة في هذا المجال. ينبه وعلى بعد أسابيع قليلة من شهر رمضان الأبرك، من استغلال التساهل مع فتح قاعات للصلاة خلال هذه المناسبة، وهذا مأذون فيه، بدون إذن من مؤسسات المجلس العلمي ومندوبيات وزارة الأوقاف، والتي يدوم فتحها سواء بعدد من القيساريات أو بمجموعة من العمارات السكنية، حيث تتحول إلى فضاءات لترويج أفكار معينة تحت مسمى الدين في غياب أية متابعة. يندد بالعمل الإجرامي الذي قامت به جماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا من اختطاف للفتيات والإعلان عن بيعهن في سوق النخاسة باسم الدين، ويستغرب غياب أية خطوة أو مبادرة أو بيان تنديدي من طرف تيارات الإسلام السياسي في المغرب التي تجعل من الإسلام مرجعا سياسيا وعقديا وعلى رأسها الحزب الأغلبي.
ويؤكد الفضاء مرة أخرى شجبه وإدانته لحدث مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي وكل شهداء الحركة الطلابية من كافة الفصائل الطلابية، ويدعو إلى جعل الجامعة المغربية فضاء لإنتاج المعرفة وتشجيع البحث العلمي بدل تحويلها إلى ساحة للاقتتال والصراع بين الفصائل الطلابية.