كالعادة جاء شهر رمضان الكريم سريعا كما تركنا فى العام الماضى سريعا وكالعادة سيتركنا سريعا بالطبع فهل نستطيع فى سرعة أن نستغل وجوده معنا قبل أن يرحل عنا ..؟؟
فإذا كان هناك من يستطيع هذا ويمكنه إستغلال وجود الشهر الكريم أحسن استغلال
فهناك من لا يستطيع وهم للأسف كثيرون … ولهذا ولذاك وودت أن أقدم لكم مع مطلع الشهر الكريم صورة رمضانية للرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الشهر الكريم فمعرفة ليكون كلامى معرفة للأول وتذكيرا للثانى وإتباعا لمبدأ الأسوة الحسنة التى طالبنا القرآن الكريم بإتخاذها فى نبينا الكريم في قوله تعالى ..
(( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )) سورة الاحزاب الآية 21
لذلك وددت أن اقدم لكم صورة لحالة الرسول فى هذا الشهر الكريم وخاصة لمائدة الرسول صلى الله عليه وسلم فى رمضان ..
فتعالوا معى نقترب من مائدة الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الشهر الكريم ..
وهو يتناول طعام إفطاره وسحوره .. وليكن لنا شرف الجلوس معه على هذه المائدة الكريمة .. لعلنا نستفيد مما كان يفعله ونتأسى به وبخلقه الكريم ..
وأول ما سنعرفه على مائدة الرسول أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يفطر على التمر أو الماء ثم يصلى صلاة المغرب ثم يكون جلوسه للإفطار كاملاً وكثيرين يفهمون حديث أنه ( كان يفطر قبل أن يصلى ) فهما خاطئا فيتناولون إفطارهم كاملا قبل الصلاة ثم يصلون المغرب في أخر وقتها إن إستطاعوا اللحاق بها وحين لا يكون باقيا على موعد صلاة العشاء إلا القليل ..
وهذا بالطبع وضع خاطىء .. وتماما ..
فمعنى أن الرسول كان يفطر قبل أن يصلى أنه كان ينهى صومه قبل أن يصلى بأكل بعض التمرات أو إحتساء قليلا من الماء ثم يصلى المغرب ثم يجلس لتناول الإفطار والدليل ما رواه إبن عطيه – رضى الله عنه – حيث قال : دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلت يا أم المؤمنين : رجلان من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – كلاهما لا يألو عن الخير ، أحدهما يعجل الإفطار والصلاة والآخر يؤخر الإفطار والصلاة ، (ويسألان من الأفضل) قالت : أيهما الذى يعجل الإفطار والصلاة ؟ قلنا عبد الله بن مسعود ، قالت كذلك كان يصنع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والآخر كان أبو موسى ..
ولاحظوا فى لفظ الحديث عن الأفضل فيهم تلازم تعجيل الفطر مع الصلاة وفى معنى الحديث أن تعجيل الفطر هو إنهاء الصوم وبل العروق بالماء أو بغيره ثم الصلاة وأثناء تأدية الصلاة تتهيأ المعدة بما حصلت عليه من ماء أو تمر لإستقبال المزيد بعد طول فترة جفاف ..
وقد قيل عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه كان فطره على رطبات (التمر الرطب) إن وجدها فإن لم يجدها فعلى تمرات ، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء ..
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحض على الفطر بالتمر من شفقته على أمته ونصحهم وهذا لآن إعطاء الجسم الشىء الحلو مع خلو المعدة ، أدعى الى قبوله ، وانتفاع الجسم به ..هذا مع ما فى التمر من الخواص الطبيعية التى لها تأثير على كامل الجسم وتأثير فى صلاح القلوب ولا يعلم هذا إلا أطباء القلوب ..
كما أن الفطر على الماء وحده مفيد جدا أيضا فطول بقاء المعدة بدون أكل أثناء الصيام يصنع لها نوع من التيبس فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده أقوى وأفضل ، ولهذا يكون دوما الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بالماء .. ثم يأكل ..
وفى هذا قال الرسول ” إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فمن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور .. “
كذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث دوما على الإهتمام بوجبة السحور ويحث على تأخيره فتناول الطعام والشراب قبل الفجر يعين الصائم على تحمل صوم النهار فيجد الصائم من القوة ما يستطيع بها تحمل أعباء الصوم دون خمول أو كسل .. فيمكنه الجمع بين الصوم والعمل فلا يتعطل عمله ولا يفسد صومه بأى من المفطرات ولا يضعف أمام مبطلات الصوم .. لذلك كان الرسول يقول على طعام السحور أنه بركة فقال ” تسحروا فإن فى السحور بركة “
وقال أيضا ” تسحروا ولو بشربة ماء “
فبركة السحور فى أنه يمنح الصائم القوة على العمل مع الصيام كما أن فى السحور بركة لأنه الطعام الذى يتناوله الانسان بنية العبادة .. لذلك قال
” استعينوا بطعام السحر (أى وقت السحر) على صيام النهار ، وبالقيلولة على قيام الليل “
والسحور لمن لا يعلم من خصائص الأمة الإسلامية فالأمم السابقة من قبلنا كانوا يصومون ولا يتسحرون لحرمة الأكل إذا ناموا ، فعن عمرو بن العاص – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
” فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب ، أكلة السحر”
وكان سحور رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قريبا من الفجر فكان يفرغ منه وبينه وبين صلاة الفجر مايوازى نحو عشرين دقيقة بتوقيتنا ففى ذلك قال زيد بن ثابت رضى الله عنه تسحرنا مع النبى – صلى الله عليه وسلم – ثم قام الى الصلاة ، قلت كم كان بين الآذان والسحور قال : قدر خمسين آية ” أى قدر تلاوة خمسين آية ..
وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول عند الفطر ” اللهم أنى لك صمت وعلى رزقك أفطرت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، ذهب الظمأ ، وأبتلت العرق وثبت الأجر يا واسع الفضل إن شاء الله “
وقد وضع الرسول للمائدة آدابا عامة كلها تنم عن الذوق الرفيع والأدب العالي الذى يود رسولنا الكريم أن يعلمنا إياه وكلها أمور تتصل بالايمان بالله إتصالا وثيقا .. وبذلك يصبح المؤمن موصولا بالله فى كل شأن من شئون حياته وفى جميع أوقاته وأحواله ..
فكان – صلى الله عليه وسلم – لا يعيب طعاما قط ، إن إشتهاه أكله وإن كرهه تركه وسكت وربما قال أجدنى أعافه ( أى لا أريده ) وكان لا يجمع على مائدته ألوانا من الطعام ، ويكتفى بالقدر القليل من الطعام … فتقول عائشة رضى الله عنها ما شبع أل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض “
وكان – صلى الله عليه وسلم – يغسل يديه قبل الأكل وبعده وهو القائل فى ذلك ..
” بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ” ويقصد بالوضوء هنا غسل اليدين فقط وليس المعنى الشرعى الكامل للوضوء ..
وكان – صلى الله عليه وسلم – إذا وضع يده فى الطعام يقول بسم الله ويأمر الآكل معه بالتمسية وقال فى ذلك ” إذا أكل أحدكم فليذكر إسم الله تعالى فإذا نسى أن يذكر إسم الله تعالى فى أوله فليقل بسم الله فى أوله وآخره ..”
وتارك التسمية على الطعام يشاركه الشيطان طعامه وشرابه واذا كان الأكلون جماعة فسمى أحدهم يقول الشافعي تجزىء التسمية من الواحد عن الباقيين ..
ومن آداب الرسول على المائدة أيضا ما علمة الرسول لعمر بن سلمة – رضى الله عنه – حين قال ” كنت غلاما فى حجر رسول الله وكانت يدى تطيش فى الصفحة (أى تتناول الطعام من كل نواحيه ) فقال لى رسول الله : ياغلام ، سم الله تعالى وكل بيمينك ، وكل مما يليك “
وكان الرسول أجود الناس فقد قال مرة لأبو هريرة وهو فى ضيافته على قدح من لبن “إشرب” ومازال يقول له “إشرب” حتى قال أبو هريرة والذى بعثك بالحق نبيا لا أجد له مسلكا ..
وكان الرسول إذا دعى إلى طعام لبى الدعوة ولا يخرج حتى يدعوا لمن دعوه فقد دعى فى منزل عبد الله بن بسر فقال : ” اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، وأغفر لهم ، وأرحمهم “
وقد دعى أيضا فى منزل سعدة بن عبادة على طعام الإفطار فقال بعد أن فرغ
” أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الابرار ، وصلت عليكم الملائكة “
وكان يحث على التيامن فى الطعام فيأكل بيمينه ويشرب بيمنه وينهى عن مخالفة ذلك بقوله ” إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله “
وكان إذا فرغ من الطعام قال : ” الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين “
وإذا رفعت المائدة كان يقول ” الحمد لله حمد كثيرا طيبا مباركا فيه “
وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم معلما ومرشدا لأصحابه ولأمته أجمعين فيا سعادة من أتبع سنته وسلك منهجه ..