إن الثابت في قضية علي عراس، البلجيكي ذو الأوصول المغربية، التي مازالت تُسيل المزيد من المداد منذ عدة أشهر، تحديدا من طرف أولئك الذين يتعصبون لوهم براءته، هو أن الرجل كان رئيس اللجنة العسكرية و التمويل الخارجي في صفوف حركة المجاهدين، و المسؤول عن توريد الأسلحة من الخارج إلى المغرب عبر مليلية السليبة التي ينحدر منها. و قد ثبت فعلا أن تلك الأسلحة كانت موجودة في الأماكن التي تم حجزها فيها تبعا لما أفاد به لدى قاضي التحقيق أميران داخل التنظيم على التوالي سنة 2003 و 2012.
و الثابت أيضا في هذه القضية أن كل المسالك المسطرية التي مر منها ملف علي عراس منذ إيقافه يوم 14 دجنبر 2010 إلى أن حكم عليه بإثنتي عشر سنة سجنا نافذا، كانت تحت سلطة القانون و خاضعة لمراقبته، و كل السجلات الرسمية تثبت ذلك إذ ليس عسيرا التحقق منه بما لا يدع مجالا للشك، اللهم إذا كان للباحث فكرة مسبقة و حكم جاهز يقضي بعكس ما تراه عيناه.
ففي هذا الإطار قضى علي عراس تسع ليال و عشرة أيام تحت الحراسة النظرية و ليس اثنتا عشر يوما كما يدعي هو و من يسانده بناء ا على أقواله، و كان ذلك بمكان الحجز التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي كانت وراء إيقافه في المطار. و كانت مصالح هذه الفرقة الوطنية هي التي أخبرت النيابة العامة في نفس اليوم قبل مباشرة التحقيق معه، و سجلات المصلحتين ( الفرقة الوطنية و النيابة العامة) تشهد على ذلك لمن يبحث عن إشهاد، في حين أن الرجل لا يَكَلُّ من الإدعاء لدى من له قابلية مسبقة لتصديق بهتانه أنه أحْتُجِزَ في معتقل سري لا وجود له سوى في مخيلته التي يبدو أنها تستقي مؤهلاتها مما ترسب في ذهنه مما سمعه عن زمن سنوات الجمر و الرصاص الذي ولى إلى غير رجعة.
و من الثوابت كذلك أن علي عراس الذي يصر على أوهامه، رغم التأكيدات التي تُثْبِتُ بما لا لبس فيه أنه متورط حتى النخاع في قضايا الإرهاب و التسليح. هذه التأكيدات موثقة في ما صرح به أميره الوطني الأسبق محمد النوكاوي و الأمير الجديد عبد الرزاق سوماح، و هما الأميران اللذان أبديا عن الشجاعة الكافية للقطع مع الماضي الثوري الجهادي و تبرئة ذمتهما بالإفصاح عن كل الحقيقة بتلقائية أمام قاضي التحقيق، و هما لازالا على قيد الحياة لمن يهمه الأمر.
تلك التأكيدات نابعة كذلك عن عبد القادر بليرج الذي ارتبط مباشرة بالمجاهدين خلال مقامه ببلجيكا و خصوصا بعلي عراس مسؤول اللجنة العسكرية الذي تسلم من بليرج أسلحة لتسريبها للمغرب و تم حجزها تباعا بين 2003 و 2010.
هذا الثابت الأخير المتعلق بتورط علي عراس في الإرهاب لم يكن ليبقى موضوع استفهام قبل أن تُقْدِمَ السلطات الإسبانية على تسليم الرجل لنظيرتها المغربية، و لم يكن ليغفل عن بديهة السلطات البلجيكية التي يحمل جنسيتها قبل إحجامها عن تبني قضيته التي لا بد أنه يعلم في قرارة نفسه أنها محسومة في إتجاه غير ما يحلم به، و لكن يبدو أن شجاعته لم ترق بعد للمستوى الذي يُسَوِّغُ له الإرتكان لتحمل مسؤولية استراتيجيته و تكتيكاته الإرهابية.
في هذا السياق، هل يعقل أن يقبل العقل السوي فرضية تكالب ثلاث دول عليه؟ هل يمكن التسليم بأن هذه البلدان، بما فيها الأوروبية، قد ضربت عرض الحائط كل مواثيق حقوق الإنسان و كل قوانينها الداخلية و المعاهدات الثنائية و الدولية لتسمح بما يدعيه علي عراس دون أن تحرك ساكنا؟
وحدها فريدة أخت علي عراس تُسَلِّمُ بذلك و ترفض عنوة قبول الحقيقة التي تعلو و لا يعلى عليها،
و تَتْبَعُهَا في ذلك أمنيستي المدافعة عن المستضعفين في الأرض، الأرض الجنوبية للكوكب الأزرق و المستأسدة ضد أنظمة دول الجنوب.
في رسالة مفتوحة على شكل عريضة لجمع التوقيعات على الأنترنيت، طالبت أمنيستي منذ بضعة أيام وزير العدل و الحريات المغربي “بالإفراج الفوري” عن علي عراس و “فتح تحقيق مستقل و نزيه حول تعذيبه…. و اعتقاله بمركز تمارة”، و كذلك “تقديم المتورطين أمام القضاء”
هذه الرسالة جاءت مشفوعة بصورة لعلي عراس و هو مبتسم سعيد يحمل ابنته إذ كانت رضيعة بين يديه.
و هنا نأتي للمتغير في قضية علي عراس، فهذا الجانب كان إلى حد اليوم يركز على أشكال المساندة لصالحه و كيفية التعامل مع الرأي العام لجلب التعاطف معه، و كذا اختيار الدفوعات و الجهات المعنية بتوجيهها إليها.
و بعد استنفاذ مجموعة من الطرق و الجهات التي كان المُعَوَّل على أن تؤتي أكلها، طالعتنا أمنيستي باللعب على وتر الأحاسيس الإنسانية و ربط علي عراس بمصير ابنته الصغيرة و هو بعيد عنها يقبع في السجن من أجل الإرهاب.
أمنيستي تعلم علم اليقين أن كل دفوعاتها التي خرجت بها لمساندة محضونها علي عراس قد باءت بالفشل، خصوصا أن الإثباتات دامغة لا يدخلها الباطل من بين يديها و لا من أي جانب، و ما تَمَسُّكُهَا بطرهات التعذيب، و معتقل تمارة، و معاقبة المسؤولين عما يدعيه محضونها إلا تشبث بمواقف قد صدرت عنها و لا يسوغ لها العدول عنها، و هي التي تعتبر منظمة دولية ذات صيت عالمي و تُصدر تقارير ترعب بها من لا يَسْتَنُّونَ بسنن القوة العظمى.
إن حال الأطفال الذين يعانون بُعد حنان الوالدين أو أحدهما يرق له بالفعل قلب الرحماء من الناس، غير أن الوجلة قلوبهم رأفة بهؤلاء الأطفال قد يفكرون مرتين قبل توجيه عطفهم تجاه أبناء الإرهابيين أم إلى أبناء ضحايا الإرهابيين.
إذا كان من يسفك الدماء و يسترخص أرواح النساء و العجزة و الأطفال و عامة الأبرياء من الناس من أجل معتقدات لا تستوي، يجد بقدرة قادر من يتبنى قضيته اللا إنسانية و أطروحاته اللاواقعية و يدافع عنه بتقديمه كأنه الضحية رغم ثبوت تورطه الإرهابي بشهادة شركائه، فمن ذا الذي يدافع عن ضحاياه و أبناءهم؟
أمنيستي تدافع عن الإرهابي و تستأسد ضد البلدان المستضعفة و تتناسى حال المنسيين في المعتقل العلني بكوانتانامو. أليس لهم أبناء يكبرون بعيدا عن دفئ و حنان و رعاية آباءهم القابعين في هذا السجن السيء الذكر، حتى من دون محاكمة، و في ظروف إنسانية ربما تعتبرها أمنيستي متوافقة مع حقوق الإنسان؟
أمنيستي تدافع عن الإرهابي و تغض الطرف عن حقوق الإنسان كما يطبقها من استأسدوا ضد العُزَّلِ في سجن أبو غريب. أليس لهؤلاء العزل، كيفما كان ذنبهم، أبناء ربما شاهدوا صور آبائهم في مشاهد أقل ما يقال عنها أنها حاطة بكرامة الإنسان؟
أمنيستي تدافع عن الإرهابي و تفكر مشكورة و لها كل الثواب، في حال أبنائه بعيدا عنه و لا تعتقد أن من أصابته رصاصة بوليسية عنصرية في فيركيوسن (ferguson) و أن الذي أودت بحياته رصاصة أخرى لأنه ندد بذلك، (لا تعتقد أنهما) يستحقان إلتفاتة إنسانية و تنديدا بالتحامل عليهما في خرق صارخ لحقهما في الحياة و هو أسمى حقوق الإنسان.
اللبس انتفى، و الحق سطع، و الباطل انتكس ، و ليس لأية جهة كانت القدرة على الإستمرار الدائم في حجب الشمس بالغربال. لم يثبت قط أن كل من تورط في الإرهاب قد تم إرغامه على ذلك، أو سلك هذا المسلك في غياب إرادته. ألم يفكر في مصير أبنائه في حال سقوطه ميتا ضحية لإرهابه أو أسيرا بسبب ما اقترفه؟ فكيف لسواه أن يفكر في ذلك بدلا عنه دون أن ينظر في المقابل لحال أبناء الضحايا؟
عجيب حال هذه الدنيا….! و لكن لا عجب، “أمنيستي تْمَّة”.