الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: تحديث البنيات الشرطية..تدعيم للقرب وتنويع للعرض الأمني
قراءة العنوان قد تفيد عند الكثيرين أن الأمر يتعلق بإغلاق المركز الجامعي أو المستشفى الجامعي ابن رشد في الدار البيضاء، الذي يبقى رغم كل ما نؤاخذه عليه مستشفى جامعي بكفاءات عالية، تتصارع من أجل تطبيب الناس في ظل ضعف الإمكانيات و الموارد الذاتية، فهل هناك مركز آخر ينافس المستشفى الجامعي ابن رشد و يقدم خدمات أخرى و ينتحل صفة خدمة الناس؟
نعم، إن الأمر يتعلق بمركز آخر، مركز ابن رشد للسفسطة والكلام أي "اللوغو" أو "الهضرة"، يقول كبير المؤرخين المعاصرين أنه قرر أن يقفل المركز احتجاجا على التضييق الذي تعرض له بعد أن قرر أن ينظم حوارا بين العلمانيين و الإسلاميين عقب التشنج الذي ولدته تصريحات الشيخ عبد الحميد أبو النعيم، الذي يكفر فيه مثقف أمازيغي ويقول، والعهدة على المقربين، أن الفكرة جاءت ردا على تعاطي القناة الثانية المغربية مع تصريحات أبو النعيم.
من حيث المبدأ، محاربة التطرف الفكري هو مسؤولية كل ديمقراطي في هذه البلاد والفكر المتطرف الإقصائي أو الذي يدعو إلى العنف يمكن أن يحارب كفكر من خلال تفكيك و تعرية المنظومة التي تنتج الفكر المتطرف، و المشروعية و الريادة في هذا المضمار لا يمكن أن تكون إلا للذين يفككون المنظومة من الداخل، يمكن لوجهاء مركز ابن رشد أن يصدروا موقفا يدينون فيه الفكر التكفيري داخل المغرب وخارجه وحسب علمي، وقد أكون مخطئا، فلم أقرأ يوما موقفا لوجهاء المركز يدينون فيه الفكر التكفيري أو جرائم داعش الإرهابية، و حتى الندوة التي يدعي وجهاء المركز أنها كانت سبب المآسي التي اقتضت حل المركز و إغلاقه لم يكن الفكر التكفيري موضوعا لها، و أن الأمر كان يتعلق بحوار بين العلمانيين و بعض الإسلاميين النشيطين سياسيا و الذين يتعايشون في أكثر من إطار جماهيري في الجمعيات و الأندية و النقابات و دور الشباب و الحركات الإحتجاجية، و ليسوا في حاجة إلى ندوة لكي يكتشفوا بعضهم البعض.
الأمر بكل بساطة كان مرتبطا بمشروع سياسي لأحد الغائبين الذي يدفع كل المتحلقين حوله من أجل جر فصيل بعينه إلى خيمته، لكن منع ندوة لا يمكن أن يشكل مبررا حقيقيا لإغلاق مركز يحمل إسم ابن رشد، الإسم الرديف لإعمال العقل و العلم و المتابرة.
يقول بعض العارفين أن إغلاق المركز أو التهديد بذلك تزامن مع ملف التمويل الخارجي الذي طفا على السطح وعن نية الأمانة العامة للحكومة إعمال القانون من خلال إخضاع مالية الجمعيات والمراكز للفحص خصوصا الجمعيات التي تتلقى تمويلات من الخارج بدون أن تصرح بذلك للسلطات العمومية وما يتبع ذلك من تدقيقات حول احتمال الإرتباط بأجندة غير مغربية يلعب فيه المال الأجنبي دورا محوريا من خلال تمويل أشياء بعينها و رفض تمويل أشياء أخرى.
كبير وجهاء المركز كان عليه أن يطلع الرأي العام على تفاصيل تمويل المركز منذ إنشائه، و يكشف التمويلات الخارجية و يدافع عن طابعها "المحايد" عوض الهروب إلى الأمام و إعلان إفلاس المركز و ربط ذلك بإفلاس ابن رشد، فإبن رشد أكبر من أن يكون إسمه رديفا للإفلاس و منع ندوة إذا كان الأمر صحيحا، مبرر مهزوز و غير مقنع و أن في الأمر قضية التمويل و أشياء أخرى وحدها الأيام كفيلة بكشفها للرأي العام.
فبدون التمويل الخارجي وغيره تصبح تجارة المراكز غير مربحة، فالعلم والبحث العلمي هي آخر ما يبحث عنه أصحاب مراكز الدراسات، فإذا أصبحت القضية غير مربحة و "تابعها غير صداع الراس" و ظهرت لأصحابها "همزة أخرى باردة" فأكيد بأن الحل و الإقفال يصبح بديلا، و قضية المنع و غيرها من المبررات الواهية تبقى وسيلة لتجنب "الإحراج العلمي" أمام الرأي العام، لكن الحقيقة ستعرف في يوم من الأيام و سيعرف الرأي العام الأشياء بكل تفاصيلها و المهتمون بالتاريخ يعرفون هذه المسلمة التي سوف تترصدهم إلى أن تعلن الحقيقة عن نفسها بالمطلق.