خطاب العرش هذه السنة خطاب شد بشكل كلي عن القاعدة، خطاب استثنائي لا يشبه ما سبقه من خطابات العرش. خطاب تجاوز فيه جلالة الملك تقاليد تقديم حصيلة العمل الحكومي وأداء الدولة بين عيدين، لقد فضل جلالة الملك أن يضع أصبعه على الجرح وأن يكون قريبا من الشعب المغربي وأن يسمي الأشياء بمسمياتها على جميع المستويات من خلال إعطاء الأولوية للمغرب العميق، المغرب المنسي.
خطاب مسؤول وجريئ من هذا النوع، ما كان أن يرضي التافهين الذين احترفوا اللغو بلغة الأورو كما حدث لصاحب الصوت المبحوح الذي يريد أن يثبت للذين وراءه أنه هنا، صوتا مبحوحا للذين لا يساوون شيئا.
يقول المبحوح قصير التافهين أن خطاب الملك الإستثنائي، يسعى الملك من خلاله إلى كسب مزيد من الشعبية على حساب الحكومة والأحزاب والنقابات، ويعتبر قصير التافهين أن الملك استعار خطاب المعارضة غير الرسمية، بمعنى المعارضة غير البرلمانية.
هذا هو جوهر التحليل الذي قدمه قصير التافهين الذي لازال يقتات من فلوس هولندا، الملف الذي لو تفجر فسيعرف المغاربة حقيقة الذين يناضلون بعرق جبينهم، والذين يرفعون شعارات النضال ويحتكرون عائدات الريع النضالي لأنفسهم وذويهم ويبذرون الأوروات يمينا وشمالا وفي جلسات إغواء القاصرات، لأن القُصَّرْ لا يجدون أنفسهم إلا في جلسات القاصرات، لأن تفاصيل بنية القُصَّرْ لا تجد نفسها مع اللاتي اكتمل بناؤهن بتفاصيل تعجز عن إشباعها تفاصيل بنية القُصَّرْ.
أزمة النخبة التي تدعي أنها حاملة لشعارات التغيير أنها لم تفهم المغرب بعد، وأكيد أنها لن تفهمه أبدا، فهي لا ترى المغرب والمعارضة إلا يافطة تستجدي بها أصحاب الأجندات في الخارج. أزمة النخبة التي تدعي أنها معارضة غير رسمية هي أنها لا تعرف أن الشعب لا يريدها وليس أدل على ذلك من هجران الشعب لكل الحركات الإحتجاجية التي تدعو إليها.
لقد عاش المغرب سنة 2011، لكن النخبة الهامشية التافهة لم تفهم لماذا هجرها الشعب، لماذا رفض الشعب أن تتحدث بإسمه ولماذا الشعب لا يحبها، و مرت الأيام و السنون و عرف الجميع أن شعبنا أذكى مما يتصورون، و أن شعبنا ليس بليدا كبعض الشعوب التي ارتهنت لنخبة غير ديمقراطية متعطشة للحكم أدخلت دولها سريعا في متاهة الإنهيار و الفشل، صارت معه الناس تتمنى العودة إلى زمن ما قبل الربيع الذي أصبح أجمل من وعد الجزيرة ولوبيات الغرب التي خططت للإجهاز على كل مقومات الحياة في المنطقة العربية.
هؤلاء الذين يحتكرون الحديث بإسم الشعب الذي صدهم و هجرهم و هجر شعاراتهم يعرفون أن دستور 2011 أعطى الحق للبرلمان في تعديل الدستور، و يقولون أنهم يختزلون مشاكل المغرب في من يعين من؟
فما يمنعهم من أن ينزلوا إلى الساحة في 2017 ويأخذون تفويضا من الشعب صاحب السيادة من أجل تغيير هذا الدستور، و بعدها يغيروا القوانين و المراسيم إذا كان لهم فعلا رصيد شعبي، أما الملك فشعبيته و مشروعيته و مشروعية الملكية في المغرب ليست في الميزان حتى يدخل نفق الحسابات الصغيرة.
فالحسابات الصغيرة هي حرفة أصحاب العقول الصغيرة وقصيري البنية والفهم والتحليل والأفق.
فالقرارات الإستراتيجية التي أعلنها جلالة الملك يوم خطاب العرش موجهة من أجل رفع المعاناة عن 40% من المغاربة الذين لا يقرؤون التحاليل التافهة، و يعرفون أن اهتمام ملك المغرب بهم ليس وليد اليوم، لقد خبروه واكتشفوا بأنفسهم صفاءه الإنساني وحسه الاجتماعي عندما زار مدنهم و قراهم و عاش بين ظهرانيهم.
فهذا هو الانتماء إلى المغرب والانتصار لقضايا شعبه بكل مكوناته، الشعب المغربي الذي تجاوز ذكاؤه ذكاء التافهين من نخبته يتبين الغث من السمين ويعرف الحق من الباطل والكذب من الصدق، فكل واحد معروف بشطحتو و قريبا سوف يعرف المغاربة الذين يؤمنون بالمغرب والذين يؤمنون بتحويلات الأورو للتكالب على المغرب.