قضت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط بـ 30 سنة سجنا في حق كل واحد من متهميْن اثنين من مواليد 1983 و1987 في قضية جريمة قتل ضحية ومحاولة قتل أخته، وذلك بسبب نزاع حول أحقية الرعي في أرض زراعية في ملكية أب هذه الأخيرة وعمها، والتي أكدت أن هذا الأخير هو من حرَّض الجناة على الاعتداء عليهم بواسطة العصي والسلاح الأبيض.
إن مأساة هذه العائلة، التي هي نماذج لما يروج في المحاكم، والضغائن والأحقاد المستشرية بالمجتمع، نتيجة النزاعات حول الأرض، التي تغذيها الأمية والجهل المتفشي في أمتنا، والدعوى الكيدية، وشهود الزور الذين يقتاتون من شهاداتهم أمام المحاكم، فضلا عن عدم إلزامية التحفيظ، وتجزيء الأراضي، وطول إجراءات التقاضي، و”تنوعير” المساطر القانونية التي تساهم في تمطيط النزاعات، إضافة إلى غياب إرادة سياسية للدولة، وبالتالي تفرُّج الحكومة على هذا الوضع، حيث إن المجالس العلمية الدينية، والإعلام العمومي، غائب، وكأن هذا الأمر لا يعنيهم على مستوى التوعية والتحسيس والتثقيف، وذلك على غرار عدم قيام وزارات التعليم والثقافة والأسرة بوظيفتها في هذا المجال، الذي ظل مؤطرا بالجانب الزجري، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة وتطورها بصفة عامة.
وحتى نبقى في حدود وقائع نازلة القتل العمد التي عرضت على استئنافية الرباط بعد وفاة ضحية وإصابة أخرى فإنه قد توبع فيها خمسة متهمين، من بينهم سيدة، على إثر محاضر منجزة من قبل الشرطة القضائية لمركز سيدي علال البحراوي منذ سنوات 2009، و2010، و2011، أي أن هناك مسلسلا من الخلافات والنزاعات بين العائلتين بلغت إلى ساحة القضاء، وكان مداها تطورات الاعتداء الأخير الذي خلف وفاة، ومازالت تداعياته منشورة أمام الغرفة الجنائية الاستئنافية بذات المحكمة بعد مؤاخذة متهميْن اثنين بـ 30 سنة سجنا لكل واحد منهما من أجل جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، ومحاولة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض، إضافة للحكم على متهم ثالث بسنة واحدة حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة 1500 درهم بعد تكييف جريمة القتل العمد إلى الضرب والجرح مع استعمال السلاح، طبقا للفصل 401 في فقرته الثانية من القانون الجنائي.
من جهة أخرى قضت ذات الهيئة ببراءة متابعيْن آخريْن من تهمة المشاركة في جناية القتل ومحاولة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد والضرب والجرح بواسطة سلاح أبيض، وذلك لإنكارهما المتواتر في سائر مراحل الدعوى وتشبثهما بكونهما لم يكونا حاضرين أثناء الحادث، فضلا عن غياب أية حجة، أو قرينة يمكن الركون إليها بهدف إدانتهما.
كما حكمت المحكمة في الدعوى المدنية التابعة بأداء المحكومين تعويضا على وجه التضامن لفائدة كل من أرملة الهالك (50 ألف درهم)، و30 ألف درهم لوالدته، وكذا أداء 5 آلاف درهم لكل واحد من ثلاثة إخوة للضحية، مع عدم الاختصاص في المطالب المدنية في مواجهة المحكومين بالبراءة.
واعتمدت المحكمة في مؤاخذة المتهمين على تصريحاتهما الواردة في محاضر الشرطة حيث اعتبرت إنكارهما المنسوب إليهما محاولة يائسة للتملص من المسؤولية والعقاب، بالنظر لكون تصريحاتهما جاءت مكملة لبعضها من خلال التأكيد على أنه على إثر خلافات عائلية مع الهالك حول الأرض والمراعي قررا الانتقام منه ومهاجمة مسكن خصومهم، فضلا عن تبادل المتهمين الاتهامات خلال مرحلة التحقيق، حيث كان كل واحد يزعم بأن الآخر هو من عرَّض الضحية للاعتداء.
كما استندت المحكمة في مؤاخذة المتهمين من جهة على تصريحات شقيقة الهالك التي تم تعريضها للضرب والجرح حتى خارت قواها، وذلك على مستوى رأسها وبطنها ويدها اليسرى.
ومن جهة أخرى اعتمدت على إفادات شهود عاينوا واقعة الاعتداءات…
في هذا السياق أفادت زوجة الضحية المتوفى أنها لم تعاين واقعة قتل بعلها، الذي كان قد أخبرها بأنه مهدد بالقتل من طرف عمه بسبب أرض زراعية التي يملكها رفقة عائلته.
وأوضح تقرير التشريح الطبي أن الهالك، الذي كان قد تلقى ضربات على مختلف أنحاء جسمه، فارق الحياة متأثرا بالضربات المتتالية التي تلقاها على أيدي المعتدين، الشيء الذي اعتبرت معه العلاقة السببية قائمة بين الفعل والنتيجة في هذه النازلة، وبالتالي قيام العناصر التكوينية للجنايات في حق المتهمين الثلاثة المحكومين.
إن ساحة المحاكم بمختلف درجاتها تعجُّ بمثل هذه الملفات التي مازالت للأسف تعتمد على المقاربة الزجرية في ظل سكوت الجميع من حكومة وفاعلين وجمعويين، رغم أن مآسي هذه الجرائم وغيرها نؤدي كلفتها ماديا ومعنويا.
وعليه فإن محاربة الجريمة بمختلف تمظهراتها، بما في ذلك المنظمة منها، تحتاج إلى إعادة النظر جملة وتفصيلا، وفق مقاربة شمولية ينخرط فيها الجميع كل من موقع مسؤوليته، وذلك انطلاقا من فتح نقاش عمومي محليا وجهويا ووطنيا.