فيضانات إسبانيا: سانشيز يعرب عن شكره للمملكة المغربية على دعمها لجهود الإغاثة في فالنسيا
بحلول فصل الصيف وتوفر متسع أكبر من الوقت، تتجدد همم المتطلعين إلى توثيق الصلة بخير جليس، ويتجدد معها النقاش حول اتساع قاعدة جمهور عازف عن القراءة متبرم من المعرفة، وشغف يتنامى ويقاوم ليكرس ممارسة تبلغ أوجها خلال فترة العطلة عند الكثيرين.
إلا أن تشخيص ظاهرة العزوف يختلف بين فريق يربطه بميولات الفرد وأولوياته اليومية، وآخر يربطه بواقع حال القراءة في مجتمعات قد لا تخصص الاهتمام والحيز الزمني ذاته لهذه الممارسة، مقارنة مع أنشطة واهتمامات أخرى خلال العطلة وغيرها من فترات السنة.
“أنا المنسي”، كانت هذه آخر رواية طالعها كريم طالب جامعي (24 سنة) الذي لا يدخر وقتا ولا جهدا لاكتشاف آخر الإصدارات الأدبية، فبين الرواية والشعر والفلسفة يحرص على تكريس عادة تبلغ ذروتها خلال فترات العطلة.
واعتبر كريم أن ثمة وعي بأهمية القراءة لدى الشباب بشكل عام، أما العزوف عنها فقد يكون قسريا نتيجة عوامل وإكراهات من بينها الثقافة المجتمعية التي تضع القراءة في مراتب متأخرة من سلم الأولويات، ناهيك عن أسعار الكتب المرتفعة بالنسبة للقدرة الشرائية للمغاربة، وانشغالهم بتحسين مستواهم المعيشي، فيما تبقى القراءة مجرد ترف ونشاط كمالي.
وبنبرة يسمها الحنين، أكدت مريم سيدة في ربيعها الأربعين، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الولع بالقراءة منبع المدارك وعماد المعرفة ذاهب إلى زوال، ففي ظل هيمنة الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تتفاقم أزمة تفرض نفسها بإلحاح، و”يحملنا الشوق إلى مرحلة الدراسة الجامعية حيث كنا نسابق الزمن لمطالعة أكبر عدد ممكن من الكتب والأعمال الأدبية والفلسفية خارج مناهج الدراسة والتكوين خاصة خلال الصيف، كما ألفنا تبادل الرسائل لإطلاع بعضنا البعض على ما ظفرنا به من غنائم خير جليس، قبل أن تعود المنافسة لتحتدم مع استئناف الدراسة”.
وتابعت أنه “وعلى الرغم من توفر صيغ إلكترونية تتيح قراءة الكتب على الحاسوب بالمجان، وفرضية مساهمة هذا المعطى في تعزيز الإقبال على القراءة، إلا أن ذلك يبقى متعبا ويعصف بحميمة التواصل المباشر مع الكتاب، كما أن الفرصة تكون سانحة للتوقف عند المقاصد واستجلاء معانيها والبحث في ثنايا ما غمض أو استعصي على الفهم”، وبين الأمس واليوم تضيف المتحدثة، “فأحرص على تنويع قراءاتي بين إصدارات دسمة في الفكر والفلسفة وأعمال روائية شعرية أو قصية، وهي اختيارات تسهم بأي حال من الأحوال في إذكاء رغبتي في القراءة وتكريسها كعادة يومية”.
أما محمد موظف ( 34 سنة) فيجزم أن الناس لا يطالعون في العادة بشكل أكبر خلال الصيف، كونهم يميلون إلى الفسحة والترويح عن النفس والسفر أكثر من القراءة، لكن الإقبال عليها بالنسبة إليه في الغالب متربط بالمزاج وضغوطات العمل وظروفه، مضيفا “أني أحرص رغم كثرة الالتزامات على تخصيص حيز زمني أتقيد به للمطالعة، بهدف الانفتاح على عوالم وثقافات وأنماط أخرى للتفكير، وتغذية الروح والفكر بمدارك ومعارف جديدة”.
وبالعودة إلى واقع حال القراءة في المجتمع المغربي، اعتبر المتحدث أن ظاهرة العزوف تفرض نفسها وفق مؤشرات ملموسة، وذلك مرده إلى غياب الوعي بالحاجة إلى القراءة ودورها في إنتاج نخب قادرة على المساهمة في التنمية، وكذا غياب أنظمة تربوية وثقافية تسهم في الرفع من هذا الوعي وتأطيره.
من جهته، اعتبر مصطفى بائع كتب مستعملة شارف على الستين، أن القراءة ليست تمرينا موسميا يرتبط بتوفر الوقت من عدمه، فهناك من يواظب على اقتناء الكتب طوال السنة منتظرا شهر رمضان أو فصل الصيف على سبيل المثال، لينغمس بترو في مطالعة ما اقتناه طيلة السنة، ويبلغ متعة لا تنتظم في منهاج ولا تقيد بزمن. وشدد مصطفى الذي ألف جوار الكتب خلال 20 سنة قضاها في مكتبة تعج جنباتها بمؤلفات من مجالات شتى، أن القراءة يجب أن تكون فعلا يوميا وطقسا يواظب المرء على اقترافه كما يأكل ويشرب ويتنفس، معتبرا أن ارتباطها بتوفر الوقت يساهم في ضعف نسب القراءة وتردي أوضاعها في المجتمعات العربية، وهو ما يدفع أيضا أغلب القراء على ندرتهم إلى تعليل عزوفهم بمشاغل الحياة وأعبائها.
“الدخلة بكتاب” أو عندما يحرك شغف المعرفة والرغبة في تعميمها همم شباب بادروا إلى إطلاق مبادرة لإنشاء مكتبات ببعض قرى المغرب النائية، وهي مبادرة يعمدون من خلالها حسب مروان (21 سنة) أحد أعضاء جمعية “شي حاجة” راعية المبادرة، إلى تنظيم لقاءات وأنشطة فنية وموسيقية، يتبرع خلالها الشباب بالكتب بمثابة تذكرة للدخول، ليتم جمعها وإنشاء مكتبات ببعض مدارس القرى النائية وضواحي المدن.
وبالإضافة إلى إغناء بنك الكتب، يؤكد مروان في حديثه للوكالة، أن المبادرة تتوخى تذكير المجتمع بقيمة الكتاب وتنمية الحس التضامني لدى أفراده، إلى جانب نشر ثقافة المطالعة بين أوساط الشباب عبر تبادل الكتب والمطبوعات، مبرزا أنها محاولة أيضا للحد من ظاهرة العزوف التي ما فتئت تتفاقم”.
وبالحديث عن الظاهرة أكد الباحث في علم الاجتماع الأستاذ علي الشعباني، أنها إشكالية يصعب الخوض في ثناياها في المجتمع المغربي، فبينما يقر فريق بوجود أزمة حقيقية، يعتبر فريق آخر ألا قطيعة بين الفرد والقراءة، وذلك بالنظر إلى تنوع المادة المقروءة المتاحة في الوقت الراهن، بالصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح إمكانية الاطلاع على مقالات أدبية وفلسفية وآراء أكاديميين وباحثين تفتح في الكثير من الأحيان نافذة على معالم قد تسهم في إغناء الوعي والنقاش الجماعي.
واعتبر الأستاذ الشعباني في حديث للوكالة، أن ثمة عوامل تكرس العزوف عن القراءة في المجتمعات العربية التي تهتم بالنقاشات الشفهية أكثر من المطالعة، عوامل لعل أبرزها غياب التنشئة على حب المطالعة وعدم اكتراث الأسر بغرس هذه العادة لدى أفرادها، إضافة إلى المناهج التعليمية التي باتت عاجزة على الاستجابة لحاجيات الناشئة من الأدب والقصة والفلسفة، في ظل غياب مكتبات ومرافق خاصة بالمدارس والجامعات.
ويضاف إلى العامل التربوي، حسب الباحث المتخصص، غياب هياكل وبنى تحتية ثقافية يمكن أن يحج إليها التواقون إلى المعرفة، كما أن بعض المؤسسات الموازية مثل دور الشباب والجمعيات لا تخصص حيزا من أنشطتها ومرافقها لهذا الجانب إلا ما ندر.
وإن كانت ظاهرة العزوف مستشرية في المجتمع، فإنها لن تستثني فترات العطلة، يضيف المتحدث، مبرزا أن الإقبال على القراءة لا يمكن قياسه بتصفح جريدة أو مجلة في المقهى أو الشاطئ، ناهيك عن صعوبة تصنيف المقروء حسب أهميته وقيمته المضافة ومدى التزام الفرد بتخصيص حيز قار في برنامجه اليومي للقراءة مثل باقي الأنشطة.