سنة 2024: التزام قوي ودور فاعل للمغرب داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي
يشكل شريط “صمت الفراشات” للمخرج حميد باسكيط، الذي دخل اليوم الجمعة، التنافس في المسابقة العربية الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، ضمن الدورة ال34 لمهرجان الاسكندرية الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط، (3-8 اكتوبر) رؤية سينمائية مركبة تختزل في عمقها جوانب حياتية معقدة لنساء مكسورات يبحث عن إنسانيتين المسلوبة.
طيلة ساعة ونصف، حاول حميد باسكيط، بلغة سينمائية مؤثرة تعتمد على الصمت، في أغلب مشاهد الشريط، ان يرصد معاناة المرأة مع عنف المجتمع من خلال دور مليكة (شخصته بإتقان الممثلة سعيدة باعدي) استاذة الرياضيات التي تواجه مشاكل عميقة مع زوجها، اضطرت بسببه ذلك إلى متابعة العلاج عند الطبيب النفساني عمر (شخص الدور أمين الناجي)، الذي حاول جاهدا رسم الأمل لديها والتشبث بالحياة لأنها ملاذ الانسان ومصيره النهائي بعيدا عن ضروب الخيبة.
فالموت والتفكير في الإقدام على الانتحار، بسبب تفاقم مشاكلها مع زوجها وممارساته المخلة، حسب الطبيب عمر، لا يمكن أن يولد لديها النزوع نحو الخلاص والموت الحتمي، لكن مليكة، ستتشبث بموقفها، وستقرر طوعا وضع حد لمأساتها، بقتل زوجها.
مشاهد الشريط، وهو سيناريو وحوار لنادية هدى ومحمد العروسي وتشخيص سعيد باعدي، وأمين الناجي ورشيد الوالي، لا تخلو من صور إنسانية أخرى، بالغة التعقيد، تتمثل في مقتل الفنانة سميرة القادري، زوجة الطبيب النفسي والتي أبت أن لا تبوح بسر غامض لابنتها لإثبات هوية أبيها الشرعي، ضابط الشرطة، (رشيد الوالي) لتقرر ابنتها في موقف تراجيدي مفاجئ قتل أمها دون سبق إصرار، وهو ما سيخلط حبكة الفيلم ويجعل مشاهدها، ترصد صورا انسانية معقدة تتمثل في مباشرة الضابط للتحقيق في حادثة القتل، ليكتشف في النهاية أن ابنته هي مقترفة هذا الفعل الجرمي.
حميد باسكيط، أزاح اليوم الستار في “صمت الفراشات” عن تابوهات هي في الأغلب شائكة، بشكل مفرط، يصعب معه الاقتراب نحوها، مثل تعنيف المرأة و”البيدوفيليا” كحالة من حالات موجودة في أي مجتمع، لكن يتم السكوت عنها.
صمت مطبق، كما يشير عنوان الشريط، الذي يرصد هذه الظواهر بشجاعة، ليس بغرض التشهير أو إثارة الانتباه، وإنما بصورة فنية محبوكة، الغرض منها البوح بما يحدث في الواقع وما يعاني منه الناس في صمت يلتزم به الجميع.
في أغلب مشاهد الفيلم، استمتع الجمهور، بلغة موسيقية تصويرية صامتة، قريبة من نبض الحوار، وحركة الكاميرا، لكنها تجعل المتلقي متلهفا لرصد فصول الحبكة السردية، التي اتقن شخوص الشريط في رصد مجرياتها بلغة سينمائية بارعة…
بطلة الفيلم، الممثلة سعيدة باعدي، قالت عقب نهاية العرض، إنها شخصت معاناة المرأة العربية، مع صور العنف المختلفة وادانت الرجل في سلوكياته المشينة والخادشة بالقيم الاجتماعية.
وأشارت باعدي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، ان “صمت الفراشات”، رسالة عميقة، من أجل التشبث بالحياة والأمل وليس التفكير في الانتحار والقتل، هذا ما حاول باسكيط، تضيف باعدي ، أن يختزله بصورة سينمائية مفعمة بالأحاسيس الانسانية.
أما الناقدة المصرية، ناهد صلاح، فقالت في تصريح مماثل، أن الشريط، رؤية سينمائية “رائعة” تنحاز لمواقف انسانية معقدة، بلغة صامتة لكنها ترصد الحياة من مختلف جوانبها الحياتية.
وأضافت أن حميد باسكيط، نجح في رصد معاناة المرأة العربية، مع عنف المجتمع، بسرد واقعي وعفوي لكنه حافل بمشاهد مركبة أقحمت الموسيقى والفن التشكيلي والطب النفسي لتبيان حبكة الشريط من زوايا انسانية متنوعة.
وأضافت أن “صمت الفراشات” أعطى للجرح العميق مساحة أكبر في النفس والروح والجسد، من خلال تنويعات لنساء مكسورات عند الخط الفاصل بين إنسانيتهن المسلوبة، ومتاهتهن المفتوحة، على الخيبة، وهي حالات انسانية تؤكد ناهد، “أتقن باسكيط، في إعادة رسمها من جديد”.
وسجلت صلاح، أن الشريط، “وضع المتخيل البصري في خدمة نص مشغول بحرفية وحساسية وتنبه دائم إلى ما وراء الظاهر، وإلى ما هو أعمق من المكشوف”، مبرزة أن الصورة البصرية كانت “رائعة” و”متوازية” مع النسق والبناء الدراميين الذين أحبكهما باسكيط، على مستوى الحكاية، والموسيقى، في إطار متماسك لافت.
من جهته، أعرب الممثل الأردني عاكف نجم، عن إعجابه بمهارة حميد باسكيط، في إيصال رسائل انسانية مختلفة، وبلغة سينمائية متقنة، وضفت الصمت، كمكون جمالي وفني لتبيان حمولة الشريط وبعده الانساني.
وأضاف نجم في تصريح مماثل، أن موسيقى الشريط التصويرية “رائعة”، كما أن أغلب مشاهده صورت ببراعة، وهو ما يؤكد عمق التجربة السينمائية المغربية وريادتها على الصعيد العربي لأنها تزاوج بين الواقع والحكي الدرامي والموسيقى التصويرية وجمالية الصورة.
أما باسكيط فقال في تصريح مماثل إن شريطه طرح العديد من الأسئلة العميقة، لكنه “لم يجب عن كلها، بل ترك هامشا هاما للمتفرج ليقوم بقراءته الخاصة لكل امتدادتها”.
وأضاف أن الفيلم يتناول موضوعا إنسانيا يتجاوز الجغرافيا، لكنه في ذات الوقت يسلط الضوء على مساحات معتمة في المجتمع، الذي يسعى للتحرر من قيوده المتعلقة بتجذره التاريخي وبنظرته للمرأة، وتجاوز النظرة الذكورية لها.
يشار إلى أن باسكيط، أخرج عدة أعمال تلفزيونية، منها المتاهة، وفطومة، إلى جانب شريطه القصير “أخر صرخة” الذي نال عدة جوائز دولية.
وتعرض الدورة الرابعة والثلاثين للمهرجان التي تحمل اسم الفنانة المصرية الكبيرة نادية لطفي، 85 شريطا من 25 دولة موزعة على مختلف المسابقات إلى جانب الفقرات الخاصة خارج التنافس.
وتمثل المغرب ايضا في فعاليات المهرجان، أشرطة “كيليكس دوار البوم” لعز العرب العلوي و “كلام صحرا” لداوود اولاد السيد، في المسابقة الدولية للأشرطة الروائية الطويلة، وشريط “ولولة الروح” بعبد الإله الجوهري في المسابقة العربية للأفلام الروائية الطويلة.
و م ع : من مبعوث الوكالة جواد التويول