فيديو: المفوض الأممي لحقوق الإنسان: المغرب نموذج يحتدى به في مكافحة التطرف
تصارع “القاهرة الخديوية” الشاهدة على تاريخ مصر منذ أكثر من قرن، والمكونة من تراث معماري ثري ومتنوع، مثل المقاهي ودور السينما والمسارح والمصارف ومحلات تجارية كبرى، من أجل البقاء في وقت تنمو في الصحراء عاصمة إدارية جديدة.
ويطلق اسم “القاهرة الخديوية” على وسط العاصمة المصرية نسبة الى مؤسسها الخديوي اسماعيل الذي شيد فيها أول دار أوبرا في الشرق الأوسط، لتستضيف حفل افتتاح قناة السويس عام 1869.
قِبلة.. “الهوسماني”
وتعاني “القاهرة الخديوية” مثل غيرها من أحياء العاصمة المصرية التي تتوسع كل يوم في كل الاتجاهات، من الإهمال منذ عقود، ولكنها تظل قِبلة المصريين الذين يقصدونها حتى عندما يطالبون بتغيير سياسي، كما فعلوا في 2011 حين مكثوا 18 يوماً في ميدان التحرير ولم يغادروه إلا عقب تنحي حسني مبارك بعد ثلاثين عاماً على رأس السلطة.
وينقسم وسط القاهرة الى ميادين (أو ساحات) تتفرع منها شوارع على شكل نجمة، إذ تمّ تخطيطها على الطراز “الهوسماني”، نسبة الى جورج أوجين هوسمان، المهندس والسياسي الفرنسي الذي وضع مخطط باريس في القرن التاسع عشر.
وعلى الرغم من بعض الاهتمام الذي يحظى به وسط العاصمة من السلطات منذ سنوات، إلا أن هناك مخاوف من أن تمتد اليها العشوائية خصوصاً مع انتقال المؤسسات الكبرى الى العاصمة الإدارية الجديدة.
هدم تحت مسمى التطوير
ويقول المؤرخ المعماري، أحمد البنداري، إن وسط القاهرة يتضمن “تراثاً معمارياً شاهداً على تاريخ مصر المعاصر”، مشيراً الى أن “الوزارات مثل وزارة الزراعة والصحة والتربية والتعليم موجودة في مبان تاريخية وقصور”.
ويتساءل البنداري “ماذا سيكون مصير هذه القصور والمباني؟” بعد انتقال الحكومة الى العاصمة الجديدة.
ويضيف المؤرخ أن هناك علامة استفهام أخرى عن مصير تراث معماري آخر يتمثل في “القصور التي تستخدم حالياً كسفارات في أحياء الزمالك وجاردن سيتي والمعادي”.
ويقول “أخشى أن تُدَمر المناطق التي توجد بها هذه السفارات، لأنه أحياناً تحت مسمى التطوير، يتمّ هدم أحياء بكاملها كما حدث مع منطقة بولاق أبو العلا ومثلث ماسبيرو، الواقعة بجوار مبنى التلفزيون الرسمي على النيل بالقرب من ميدان التحرير”.
ترميم
وتقول رئيسة إدارة تطوير القاهرة التاريخية في محافظة القاهرة، ريهام عرام، أنه لم يتم اتخاذ قرار بعد بشأن المباني الحكومية التي سيتم نقلها الى العاصمة الجديدة.
وتشير عرام إلى أن اللجنة القومية لحماية وتطوير القاهرة الخديوية تدرس “كيفية الحفاظ على القاهرة الخديوية” عند الانتقال الى العاصمة الإدارية الجديدة.
وبدأ مشروع لتطوير القاهرة الخديوية في العام 2014، وتم بموجبه ترميم 350 بناية، وإعادة صبّ الزخارف وإعادة طلاء المباني بالكامل باستخدام خامات مماثلة لتلك التي استخدمت في الأصل.
مردود
وبغرض المساهمة في الحفاظ على القاهرة الخديوية، أسست مجموعة من رجال الأعمال في العام 2008 شركة الإسماعيلية للاستثمارات العقارية.
ويقول رئيس مجلس إدارة الشركة، كريم الشافعي “وجدنا أن أفضل شيء للحفاظ على وسط القاهرة هو أن يكون هناك مردود اقتصادي، وتبين أن العقارات في وسط القاهرة أكثر من نصفها خال وأسعارها مناسبة ويمكن تطويرها وتحقيق عائد مادي من خلال إعادة استغلالها”.
واشترت الشركة، وفق الشافعي، 32 بناية في القاهرة الخديوية، واشترت مبنى سينما راديو وقامت بتأجيره الى المذيع التلفزيوني الساخر باسم يوسف، لتصوير برنامجه الشهير فيها قبل أن يتوقف، ثم تمّ تأجيره لبرنامج ساخر آخر هو “أبلة فاهيتا”، غير أنه توقف أيضاً.
ولدى الشركة رؤية تبدو طموحة، ولكنها تحتاج إلى الكثير من الإجراءات والموافقات الإدارية لتحقيقها.
استثمار ثقافي
ويقول الشافعي “لو ذهبت الى وسط المدينة في معظم بلدان العالم، ستجد أنها تخدم جميع الفئات وستجد مطاعم بأسعار متدنية وأخرى تقدم وجبات مرتفعة الثمن، ستجد رئيس مجلس إدارة شركة يستقل المترو الى جوار موظف بسيط، ستجد محل “لوي فويتون” جنباً الى جنب مع “إيتش أند أم”، ويضيف “لكن وسط البلد في القاهرة أصبح طارداً لفئات كثيرة”.
ويأمل الشافعي أن تعود القاهرة لاجتذاب السياح وأن يجدوا فيها العلامات التجارية المصرية المتميزة التي لن يجدوها في مكان آخر وخصوصاً في مجال الحلي والملابس.
وفي الوقت الراهن، يتابع الشافعي، “نستثمر قدر الإمكان في الأنشطة الثقافية” من خلال الحفلات والمهرجانات ومن خلال الجولة التي تنظمها الشركة كل صباح يوم جمعة أسبوعياً، لمن يريد من المصريين والأجانب التعرف على تاريخ مصر المعاصر من خلال تراثها المعماري”.
صفحات من تاريخ
وتقترح أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، سهير حواس، استغلال المباني الحكومية التي سيتم إخلاؤها كمتاحف ومراكز ثقافية.
وتقول حواس التي ألفت موسوعة مصورة عن القاهرة الخديوية “نأمل أن تكون هناك عين مسلطة على القاهرة التراثية جنباً الى جنب مع إنشاء العاصمة الجديدة”، مشيرة الى ما تتسم به القاهرة الخديوية من تنوع للطرز المعمارية ما بين الكلاسيكية والفن الحديث.
وترى أن بعض المباني الحكومية في القاهرة الخديوية يمكن إعادة توظيفها كمعارض للفنون التشكيلية ومراكز ثقافية وفنية.
وتعتبر حواس أن “حماية التراث هو حماية لكل تنمية عمرانية جديدة”، مشيرة الى ضرورة الحفاظ على كل أحياء القاهرة لأنها “صفحات من تاريخ العمران المصري”.