(بقلم..عبد الكريم شمسي)/و م ع/
بوينوس أيريس – حتى قبل أشهر، لم يكن السياسي ألبيرتو فرنانديز، الذي نجح في إلحاق هزيمة مدوية ومنتظرة بغريمه الرئيس المنتهية ولايته ماوريسيو ماكري في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الأرجنتين أمس الأحد، من طينة السياسيين الذين يتصدرون المشهد السياسي والإعلامي بالبلد الجنوب أمريكي.
لكن رئيس الحكومة الأسبق في عهدي الرئيس الأسبق الراحل نيستور كيرشنر، وزوجته الرئيسة السابقة كريستينا دي كيرشنر، نجح في يونيو الماضي في بلورة اتفاق سياسي مع دي كيرشنر سعى من خلاله الطرفان إلى ضمان تكبيد التحالف الحاكم منذ العام 2015 هزيمة مؤكدة والوصول إلى سدة السلطة (الأول كرئيس للبلاد والثانية كنائبة له).
وقد نجح المحامي فرنانديز، الذي درس ودرًّس الحقوق بجامعة بوينوس أيريس، في تحقيق مبتغاه كما كان متوقعا إذ استقطب نحو 48 بالمائة من الأصوات متفوقا بفارق يناهز 8 نقاط على منافسه المباشر ماكري، لكنه سيجد نفسه حينما سيتولى في دجنبر المقبل مقاليد حكم الأرجنتين، ثالث أكبر اقتصاد بأمريكا اللاتينية، في مهمة معقدة تتمثل من انتشال بلاده من براثن أزمة اقتصادية وحشية.
ويعتبر فرنانديز فترة حكم غريمه ماوريسيو ماكري، الرئيس المنتهية ولايته، “صفحة مشينة بدأت كتابتها في 10 دجنبر 2015” تاريخ تولي الأخير مهامه على رأس البلاد، لكنه أبدى مؤخرا إثر انهيار قيمة العملة المحلية غداة الانتخابات الاولية (11 غشت) الممهدة للاقتراع الرئاسي، موقفه المؤيد لاستكمال ماكري ولايته الرئاسية وضمان انتقال سلس للسلطة بين الادارتين الحالية والقادمة التي سيقود دفتها.
وتتباين سياسات ومشاريع ومواقف الرئيس المنتخب تباينا كبيرا مع مواقف ماكري يصل حد التناقض، فعلى سبيل المثال يرفض الأول سياسة اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، ويؤيد قرارا سياسيا بتشريع الإجهاض على خلاف ماكري الذي يرفض تشريعه.
وقد تولى فرنانديز منصب رئيس الحكومة ما بين 2003 ويوليوز 2008 وشغل منصب نائب بالجمعية التشريعية لمدينة بوينوس أيريس، مسقط رأسه، ما بين غشت 2000 وماي 2003.
وينتمي ألبرتو فرنانديز (60 عاما) إلى التيار البيروني ويتعلق الأمر يتيار وطني ويساري ينتسب إلى الرئيس الراحل خوان بيرون المعروف ببلاده بمناصرة قضايا الطبقات العمالية والفقراء.
ودخل فرنانديز معترك الحياة السياسية قبل نحو أربعة عقود (منذ العام 1985) وتولى مسؤوليات حكومية وأخرى سياسية وحزبية من ضمنها قيادة الحملة الانتخابية التي قادت نيستور كيرشنر الى السلطة.
وسيتولى الرئيس المنتخب مهامه على رأس بلاده بينما تواصل العملة المحلية هبوطها الحر منذ سنوات، ويخوض نحو 16 مليون من مواطني بلاده معركة يومية عسيرة مع الفقر ، وفي ظرفية يصارع فيها ملايين آخرون معضلة البطالة والغلاء، وتعيش فيها البلاد على وقع انقسامات حادة بشأن قضايا من قبيل تشريع الإجهاض، ومعضلة الفساد المستشرية.
وتنتشر في أوساط المقاولات الكبرى ورجال الأعمال والمستثمرين مخاوف من عودة سياسة تدخل الدولة في السوق المالية التي شهدتها الأرجنتين في عهدي نيستور كيرشنر وكريستينا دي كيرشنر، حين تولي فرنانديز مهمة ادارة البلاد.
ويستبعد فرنانديز تدخل حكومته المقبلة في السوق المالية وتحديد المبالغ التي يمكن للأرجنتيين سحبها من حساباتهم بالمؤسسات البنكية أو تحويل ودائعهم بالمصارف إلى العملة المحلية “البيسو” على غرار ما حدث إثر أزمة 2001 الاقتصادية والسياسية.
كما يواجه هذا الأخير انتقادات مفادها أنه مجرد واجهة بسدة السلطة التي ستتولى دفتها فعليا السياسية المخضرمة والرئيسة السابقة وهي التهم التي يقول فرنانديز انها لا تقوم على أي أساس.
ووفقا لوعوده الانتخابية، سيتعهد الرئيس المنتخب باحترام الاتفاق الذي أبرمته العام الماضي حكومة الرئيس الحالي ماوريسيو ماكري مع صندوق النقد الدولي وحصلت بمقتضاه على قرض بنحو 57 مليار دولار.
ومن ضمن خططه ومشاريعه، خلق شبكة تربط بشكل مباشر بين منتجي الأغذية والمستهلكين في مسعى للقضاء على الغلاء ومكافحة معضلة الجوع الذي يعاني منه ملايين الأرجنتيين الذين تظاهروا قبل أسابيع للضغط على الحكومة والكونغرس لإعلان قطاع الأغذية في حالة طوارئ وهو ما تأتى لهم.
ويعتزم الرئيس المنتخب إعادة صياغة مجمل الاتفاقات المبرمة بين بوينوس أيريس وصندوق النقد الدولي “دون فرض جهود إضافية من قبل شعبنا” في إشارة الى التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الاتفاقات.
ويدعو إلى بلورة “آلية ملائمة” مع المؤسسة المالية الدولية من أجل وضع حد للأزمة الاقتصادية ببلاده ودون “الإضرار بالطبقات الأكثر هشاشة بالمجتمع”.
وكان رئيس الحكومة الأرجنتينية الأسبق قد تعهد بمراجعة اتفاق التبادل الحر الذي توصل إليه تكتل الميركوسور والاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة في حال نجاحه في تولي مقاليد الحكم ببلاده، قائلا إنه سيقوم بمراجعة جميع الاتفاقات التي يعقدها الرئيس الحالي ماوريسيو ماكري مع دول العالم .
ويعتبر فرنانديز أن الاتفاق بين التكتلين الجنوب أمريكي ، الذي يضم الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي والبراغواي، والأوروبي “لا يخلق أية قيمة يمكن الاحتفاء بها”.
وتعهد قائد تحالف “جبهة الجميع” المعارض بعدم تخلف بلاده عن السداد في حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية مشيرا إلى أنه “لا مجال لسقوط +بلاده+ في مستنقع التخلف عن السداد”. كما طالب المنظمات الاجتماعية والنقابات بمنحه هدنة وعدم الخروج إلى الشارع لتمكينه من معالجة التداعيات الحادة التي تكبدها الأرجنتينيون نتيجة الأزمة الاقتصادية.
ومن ضمن التحديات الكبرى الرئيسية التي يواجهها فرنانديز تجنيب بلاده اضطرابات اجتماعية مماثلة للاضطرابات التي تفجرت في الآونة الأخيرة بكل من الإكوادور والشيلي وبوليفيا، فضلا عن تجنيب البلاد “السيناريو الفنزويلي” في إشارة إلى الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها البلد الكرايبي.