بلاغ للديوان الملكي حول ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة
الدار البيضاء – تحقيق نتائج اقتصادية أفضل بموارد أقل، حل قد يبدو غير قابل تصوره لأصحاب النزعة العقلانية، غير أنه يشكل جوهر الابتكار المُقْتَصِد. فهذا النوع من الابتكار، الذي يخلق قيمة اقتصادية واجتماعية بالاعتماد على موارد جد محدودة، أصبح يسجل حضوره بشكل أكبر مع اندلاع الأزمة الصحية الحالية، حيث التوفيق بين العبقرية البشرية وروح الابتكار في طريقه ليصبح ركيزة أساسية للانتعاش الاقتصادي.
وتعود جذور مفهوم الابتكار المُقْتَصِد إلى الهند، فهو مستوحى إلى حد كبير من مصطلح “جوغاد” “Jugaad” ، التي تعني باللغة الهندية القدرة العبقرية على ارتجال حلول في ظل ظروف صعبة. وقد أثار هذا المفهوم ، الذي يرتكز على تصميم منتجات في متناول الجميع ، بطريقة بسيطة وفعالة وغير مكلفة، مع تعبئة أقل قدر ممكن من الموارد، اهتمام البلدان الناشئة، في البداية، قبل أن يغزو البلدان المتقدمة.
وهكذا ظهرت العديد من آليات الابتكار المُقْتَصِد، ولا سيما في مجال التقنية المنخفضة والاقتصاد الدائري، وهو ما أدى إلى بروز أفكار ابتكارية مبسطة ومربحة وذات قيمة، كالثلاجات المصنوعة من الطين ، وأجهزة التنفس مفتوحة المصدر، وحاضنات للأطفال الخدج واختبارات الكشف عن كوفيد- 19 بتكلفة أقل.
وفي هذا الصدد، قالت غزلان مغنوج المنجرة، رئيسة جمعية “مغرب أمباكت”(Maroc Impact) إنه “في مواجهة القضايا البيئية العالمية وارتفاع وعي المواطنين والمستهلكين ، أصبح الابتكار المقتصد بمثابة رهان حيوي ورئيسي للبلدان المتقدمة، التي تأثرت اقتصاداتها بشدة جراء الأزمة الصحية”.
وأبرزت، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه في سياق هذه الأزمة، برزت مبادرات فردية وإقليمية لمكافحة كوفيد -19، وهو ما أتاح لرواد الأعمال الموهوبين إمكانية التعبير عن ذواتهم منذ البداية، لرسم مجتمع دائري جديد مبتكر ومتجدد، يفتح الباب أمام اقتصاد مشترك وإيجاد حلول مبتكرة وبأقل تكلفة.
واعتبرت السيدة المنجرة، رائدة الأعمال الاجتماعية وصاحبة العديد من العلامات التجارية المسؤولة، أن الابتكار المقتصد “قد يكون هو السبيل الضروري والأسرع لاعتماد نموذج تنموي داخلي، يحتفي بالمواهب غير المعروفة ويقدر مهاراتهم، والموارد الاجتماعية والثقافية والبيئية الفريدة لبلدنا”.
كما أعربت السيدة المنجرة، التي تعتبر مدافعة قوية عن الابتكار المقتصد، عن أسفها لبطء ترسيخ ثقافة هذا النوع من الابتكار وتبنيه من قبل القطاعين العام والخاص، داعية إلى تعزيزه بشكل عاجل حتى يصير ركيزة من ركائز النمو الاقتصادي وأحد عناصر الإجابة للمساهمة في إحداث صدمة اقتصادية متجددة.
وبالتزامن مع هذه الفترة من عدم اليقين حيث يتحتم تجريب الحلول الملموسة والمبدعة وتشغيلها، أكدت السيدة المنجرة على ضرورة إنشاء تحالفات منسقة للأفكار والقيم المشتركة التي تركز على الابتكار المقتصد من أجل نشر إجراءات ذات آثار سوسيو-اقتصادية، مؤكدة على أن الاستجابة لا يمكن أن تكون إلا جماعية (القطاعان العام والخاص والمجتمع المدني).
وقالت في هذا الصدد، “ينبغي أن نقبل فكرة نسيان ما تعلمناه من أجل تعلم جماعي أفضل، في إطار نهج تطوعي ومتواضع وجماعي” ، مضيفة أن الابتكار المقتصد يجلب فرصا اقتصادية هائلة ويتيح إمكانية تحديد مصادر جديدة للنمو، من خلال التعاون مع رواد الأعمال الاجتماعيين ، والمجتمع المدني، وتجمعات المهندسين الباحثين.
كما سلطت السيدة المنجرة الضوء على البرنامج المغربي “موهوب”، الذي يضع الابتكار المقتصد في صميم ريادة الأعمال العلمية من خلال إتاحة دمقرطة وتسهيل الولوج إلى العمل والتجريب ، عبر توفير مختبر في حاويات قابلة لإعادة التدوير لرواد الأعمال من الطلبة وطلبة الدكتوراه ، باعتباره نقطة انطلاق أساسية نحو اقتصاد البحث والتطوير.
وفي ما يتعلق بمشاريع الابتكار المقتصدة في المغرب، أشارت السيدة المنجرة إلى أن بعض رواد الأعمال الموهوبين وذوي الحس الوطني قد وضعوا الابتكار المقتصد في صميم نموذجهم الاقتصادي لعقود من الزمن، ضاربة المثل في هذا الصدد، بمشروع “أزلاي” الرائد بإفريقيا، القائم على الخبرة، والسياحة البيئية والابتكار المقتصد، والذي ساهم في تجديد النظم بمناطق هشة، بفضل مرونته وشغف مؤسسه.
كما تحدثت عن تجمع “فريغال”، وهو عبارة عن مجموعة من الصناع الذين استطاعوا، بموارد جد محدودة، إنتاج حلول حاجزية بتكلفة منخفضة خلال فترة الحجر الصحي ، وقدمت الدعم لمقدمي الخدمات العلاجية والسلطات المحلية بالمغرب.
وخلصت إلى أن هؤلاء الأبطال المعاصرين، والفاعلين الحقيقيين للتغيير الذين يعملون في الظل، هم كثر بالمملكة. ومن “خلال التعريف بهم وتثمين عملهم، يمكننا أن نتموقع كبلد رائد في مجال الابتكار المقتصد، والاندماج الاجتماعي”.
(و م ع)