(إعداد ..العربي عثماني)/ و م ع/
نواكشوط – ما إن يحل موسم الامتحانات الوطنية لنيل شهادة الباكالوريا بموريتانيا،حتى يتجدد طرح سؤال مزمن يؤرق مضجع التلاميذ وأولياءهم، وهيئات التدريس والإشراف التربوي، على حد سواء، والمتمثل في أسباب تدني نسب النجاح في هذا المستوى التعليمي الحاسم في المسار الدراسي للتلاميذ، والمحدد لمعالم مستقبلهم وآفاقه.
وغالبا ما تحدث نتائج الامتحانات الوطنية لشهادة الباكالوريا في هذا البلد، “زوبعة” وسط الأهالي، وحالة من “الإحباط والتذمر” في صفوف باقي أطراف العملية التعليمية، وأضلاعها الرئيسية، من تلاميذ، ومدرسين وهيئات الإشراف التربوي والرقابة، والتي تصاب بخيبة أمل، جراء العدد القليل جدا من التلاميذ الذين ينجحون في انتزاع هذه الشهادة، بينما تجدد أعداد هائلة منهم نفسها مجبرة على تكرار السنة، ولربما توقف مشوارها الدراسي عند هذا المستوى، وفي أحسن الأحوال يخوض من حالفهم الحظ دورة ثانية.
وبلغت نسبة الناجحين في الدورة الأولى من امتحانات الباكالوريا برسم الموسم الدراسي الحالي، والتي جرت في شتنبر الماضي، 16 في المائة، إذ من أصل 49 ألفا و754 مترشحا لنيل “الشهادة الكبرى” تمكن 7200 فقط من انتزاعها، في حين لم يتجاوز عدد المترشحين الذين سمح لهم باجتياز الدورة الثانية 5257 تلميذا، وهو ما يمثل نسبة 11 في المائة من العدد الإجمالي للمترشحين.
ومع أنها تبقى ضعيفة، بالمقارنة مع نسب النجاح المحققة في بلدان الجوار، فقد اعتبرت نسبة 16 في المائة مرتفعة بالمقارنة مع تلك المسجلة خلال السنوات الثلاث الماضية في موريتانيا، والتي بقيت في حدود 10 في المائة، إن لم تكن أقل من ذلك.
ووفقا لإحصائيات رسمية، فإن نسب النجاح في الباكالوريا بالبلاد سجلت تراجعا ملحوظا خلال هذه السنوات، حيث انتقلت من 12.88 في المائة سنة 2017 إلى 7.2 بالمائة سنة 2019 ،ثم الى نسبة 7.94 سنة 2018.
كما أن أعداد المرشحين لم تبق في منأى عن هذا المنحى التنازلي، حيث شهدت هي الأخرى تراجعا ملموسا. ففي سنة 2017 ترشح للباكالوريا 50 ألفا و46 تلميذا نجح منهم 6445، أما في سنة 2018 فقد ترشح 49 ألفا و993 تلميذا نجح منهم 3970 مترشحا، بينما لم يتجاوز عدد المترشحين سنة 2019 ما مجموعه 44 ألفا و717 تلميذا وعدد الناجحين 3245.
وجاءت هذه النتائج “المخيبة” و”المحبطة” لتدق ناقوس الخطر حول واقع العملية التربوية، ولتسائل مختلف الأطراف المتدخلة فيها، حيث أكدت أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في السياسة التعليمية.
ووجدت هذه الأطراف، الوزارة الوصية، هيئات الإشراف التربوي والتخطيط والمراقبة، مدفوعة إلى القيام بوقفة تأمل حول الأسباب والعوامل التي أفرزت هذا الواقع، والتي تتطلب ردودا عاجلة وناجعة في الآن ذاته، وذلك بعد تعميق النقاش حول طبيعة هذا المشكل، ومكامن الخلل.
كما كانت هذه النتائج محط جدل حاد وسط مختلف فئات المجتمع الموريتاني، التي وجدت نفسها في حيرة من أمرها أمام واقع مثير للقلق والاستياء يتكرر في كل موسم دراسي، وما هذه النسب المتدنية، إن على مستوى أعداد المترشحين لاجتياز امتحانات الباكالوريا، أو أعداد الناجحين فيها، سوى تجسيد ملموس له.
ويرى العديد من المهتمين بقطاع التربية في موريتانيا، أنه وعلى الرغم من المحاولات المتتالية التي تم القيام بها لإصلاحه، منذ أواخر سبعينات مرورا ببداية ثمانينات القرن الماضي، وبإصلاح 1999 المتعلق بمقاربة الكفايات، فضلا عن إعلان 2015 “سنة التعليم”، فقد ظلت نتائجها محدودة، وبقي التعليم، بمختلف أسلاكه، في وضعية صعبة، ويعاني من عدة مشاكل ونقائص .
وشخص هؤلاء هذه المشاكل، على الخصوص، في البنيات التحتية، التي قد لا تكون متوفرة بالقدر الكافي في عدد من مناطق البلاد أو لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة لنجاح العملية التربوية ، وكذا في طبيعة المناهج التربوية، التي يؤكدون على ضرورة مراجعتها ولما لا إعادة صياغتها، لكي تستجيب لحاجيات سوق الشغل ومتطلباتها، بالإضافة إلى التكوين والتكوين المستمر لما له من وقع إيجابي على طرفي العملية التعلمية.
وينضاف إلى ذلك، “افتقار” المنظومة التعليمية الموريتانية لمتخصصين في التوجيه التربوي، والذين تتمثل مهامهم في تقديم المشورة للتلاميذ من أجل اختيار التخصصات المناسبة، و”رسم الخطط التعليمية وفق أسس سليمة، وتقييم المهارات والقدرات والميول والاتجاهات”، وذلك للقطع مع تقسيم عقيم، دفعت أجيال عديدة ثمنه، بحيث يتم توجيه الطلبة المتميزين والجيدين إلى التخصصات العلمية (رياضيات، علوم..)، والباقين إلى التخصصات الأدبية والشرعية.
كما يؤكد متتبعو الشأن التعليمي بموريتانيا أن أي عملية لإصلاح منظومة التربية والتكوين سيكون مآلها الفشل ما لم تقم بإعادة تأهيل العملية برمتها، من خلال وضع خطط محكمة محددة في الزمان، وتسطير المناهج والبرامج وتحديد التخصصات وإحداث المؤسسات التي تستوعبها، مع إيلاء العناية اللازمة للمعلمين والأساتذة باعتبارهم الركيزة الأساسية للتربية والتكوين والتعليم.
وإدراكا منها بالصعوبات التي تواجهها المنظومة التعليمية والتربوية، وضعت السلطات الموريتانية، نصب أعينها إصلاح هذه المنظومة على وجه الاستعجال.
وبرزت بوادر هذه الإرادة مع الدخول المدرسي لموسم 2019-2020، والذي أكدت خلاله السلطات عزمها على جعل التعليم أولوية الأولويات، وحرصها على النهوض بهذا القطاع، عبر إصلاحات وإجراءات عملية لتحقيق هذا المبتغى.
ذلك ما أكده الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، عندما صرح بأنه “رغم يقينه بأن مدة خمس سنوات لا تكفي لإصلاح جميع الاختلالات في المنظومة التعليمية الموريتانية، فإنه مصمم مع ذلك على الشروع بدون أي تأخير في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإرساء قواعد المدرسة التي نحلم بها جميعا لأجيالنا الصاعدة”.
وفي انتظار ما ستسفر عنه النوايا المعبر عنها والجهود المبذولة للارتقاء بالمنظومة التربوية الموريتانية، والتي ستتطلب ردحا من الزمن لتؤتي أكلها، يبقى السؤال المؤرق مطروحا، متى سيتم تجاوز الحاجز النفسي لتدني نسب النجاح في شهادة الباكالوريا؟.