العام الثقافي قطر-المغرب 2024: عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
بقلم: عبدالصمد بن شريف
بعد أن أنهى النظام الجزائري مسلسله الديمقراطي المطعون فيه من قبل مكونات الحراك الشعبي، والذي يفتقد إلى الشرعية الشعبية بسبب المقاطعة الواسعة وغير المسبوقة للانتخابات البرلمانية، عوض الانكباب على حل المشاكل الإجتماعية الحادة، واختلالات المنظومة الصحية بصورة تدعو إلى الاستغراب في بلد النفط والغاز، فإنه انشغل بشراء الأسلحة وتحديث المؤسسة العسكرية وعصرنتها حسب ادعاءاته، استعدادا لمواجهة العدو الكلاسيكي-أي المغرب-حسب تعبير اللواء سعد شنقريحة الرئيس الحالي لأركان الجيش الجزائري. وهذا العسكري الطاعن في السن، والذي يستمد شرعيته من تاريخ ثوري مفترى عليه ويعتبره ومريدوه مطلقا ومقدسا، انخرط شخصيا في عملية تلقيح معنوية للجيش الجزائري عبر شحنه بجرعات عالية من الكراهية والعدوانبة ضد المغرب ،الذي أصبح في القاموس الإعلامي والسياسي والعسكري الجزائري قوة احتلال غاشمة.
وإذا كانت مطالب الحراك الشعبي ومختلف الشرائح الرافضة لاختيارات السيستيم في الجزائر لم تجد من يتفاعل معها بشكل إيجابي في المنظومة السياسية، ولم تعرف المؤشرات الإجتماعية والاقتصادية والطبية والتربيوية وحرية التعبير وحقوق الإنسان تحسنا، فإن ذلك يرجع إلى كون المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية المتحكمة في مفاصل الدولة وشرايينها الاقتصادية، تعتبر حق تقرير الشعب الصحراوي أولوية الأولويات، كناية في المغرب ومعاكسة له. أما أن يقرر الشعب الجزائري مصيره ،بالقطع مع خطابات وممارسات تنتمي إلى العهود البائدة والحروب الباردة ،فتلك مسألة مرفوضة ،يجب أن تواجه بلغة العصا الغليظة والتخوين والتآمر وإلصاق التهم بمن تسول له نفسه رفع شعارات تطالب بالعيش الكريم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمجالية واحترام الحقوق الثقافية واللغوية وحرية التعبير والصحافة و إرساء دولة المؤسسات والحقوق والواجبات والتعددية السياسية الحقيقية….إلخ
واذا كان النظام الجزائري قد اختار التصعيد وتسميم الأجواء وقطع الطريق على المغرب والتضييق عليه في كل المحافل، و أسند مجددا حقيبة الدبلوماسية إلى رمطان لعمامرة للتصدي حسب مخطط النظام الجزائري للدبلوماسية المغربية ،علما أن لعمامرة يدين بدين الجنرالات ، وينفذ بكثير من المبالغة والكراهية والحقد ما يأمرونه به. لذلك وبحكم قوة الولاء وعمق الوفاء للجنرالات، وتفانيا في خدمة أجندتهم ، نجده يقحم موضوع الصحراء المغربية في كل اجتماع، رغم عدم ملاءمة السياق والمقام. وإمعانا في استراتجية الاستفزاز، .فإن أول نشاط بدأ به هو استقباله لوزير خارجية جبهة البوليساريو. ثم أطلق مجموعة من التصريحات، ليؤكد براعته الدبلوماسية بالمنطق العدائي، وصلابته الوطنية، وقدرته على إلحاق الأذى بالمغرب، واستعداده اللامشروط ليهاجم بسبب أو بدون سبب المؤسسات المغربية.
واذا واجه السفير عمر هلال وزيرالخارجية الجزائري المعين حديثا، في الإجتماع الأخير لدول عدم الانحباز موردا أن رئيس الدبلوماسية الجزائرية يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير، لكنه ينكر الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي، على حد تعبيره فإن “تقرير المصير ليس مبدأ مزاجيا، ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”فإنه من غير المنطقي أن يغضب النظام الجزائري ويصاب بعدوى هيستريا جماعية جيش لها السيستيم أبواقه الإعلامية وأدرعه السياسية. فكيف يحلو للنظام الجزائري أن يتطاول على السيادة المغربية و يتخذ من معاداة مصالحنا الوطنية والمساس بوحدتنا الترابية وينفق ملايير الدولارات على مدى أكثر من أربعين سنة ،دعما ومساندة لجمهورية وهمية لقصم وضرب المغرب، وتفكيكه وإضعافه، لكنه أي النظام الجزائري أصيب بالسعار ونوبات الغضب العالية ،عندما أثار الدبلوماسي المغربي السيد عمر هلال موضوع استقلال منطقة القبايل ؟هل يجوز للجزائر الرسمية أن تناور و تحاصر وتجهر بالعداء الصريح والصادق تجاه المغرب، وترافع وتدافع عن حق تقرير مصير دوليتها في تندوف ،وتمانع وتعترض وتحتج وتطالب بتفسيرات وتوضيحات، لما تقابل بنفس الخطاب وتعامل بالمثل؟
يجب أن يدرك غلاة المؤسسة العسكرية ومريدوهم في المنظومة السياسية، أن المغرب إذا كان، يتجنب ويتفادى إثارة ملفات حساسة ،فلأنه كان كل مرة يمني النفس، بإمكانية اهتداء النظام الجزائري ذات يوم إلى الصواب والانتصار لفضيلة حسن الجوار والمصالحة الشاملة. وإذا كان يترفع عن الدخول في سجالات عقيمة ومزايدات فجة، فلأنه تفرغ لبناء وصناعة مستقبله عوض الانشغال بأوهام وترهات وخرافات التاريخ والإيديولوجيا الدوغمائية واسيتيهامات جيو- سياسية علقت بذهنية متصلبة تنهل من مرجعية منغلقة وتستند إلى استراتجيات لم تعد تجد نفعا في العلاقات الدولية.
نحن في المغرب ورغم هذه الزوابع والمؤامرات التي تقف وراءها المؤسسة العسكرية الجزائرية والمركب المصالحي والإعلام المغلوب على أمره، والأحزاب التي تفتقد إلى استقلالية القرار،سنظل دائما رافعين لواء الحكمة والمحبة والسلام والاحترام تجاه أشقائنا في الجزائر. ومهما كانت عنجهية وهيستريا وهذيان الجنرالات وتابعيهم في المرادية، والذين يحرضون على ركوب المغامرات العسكرية، لتصدير الأزمات والتنفيس عنهم باختلاق عدو على الحدودالغربية، وتبني مقاربة تدميرية وغريبة ومضادة للتاريخ والجغرافيا وناسفة للمشترك بين الشعبين، فإن العقلاء والحكماء الذين لا ولن تنطلي عليهم عملية الشحن وتأجيج وتجييش مشاعر الحقد والشك والتوجس ضد المغرب ،هم من سيشكلون القوة الناعمة والرصينة لقطع الطريق ،على أي استراتجية تنتصر لجنون العظمة والغرور، وتخطىء في تقدير وزن المغرب وقراءة السياقات والمسارات الإقليمية والدولية.