بقلم: زهير نجاح: [email protected]
إذا كان الجمال طالع خير وفاتح فأل، ومنة السماء، فإنه بالنسبة لمدينة العرائش عامل نقمة، سبيل محنة وأساس البلاء.
الواقع الحالي للمدينة يدعو للحزن والأسى ويبعث على الدهشة والحيرة، لما تعرضت له عبر السنين وتتعرض له الجوهرة من استباحة لأراضيها وغلق لمصانعها، واغتصاب لغاباتها وتفويت لقلاعها، وطمس لمعالمها وتحطيم لتراثها العظيم وسرقت لرمالها ومقدراتها، وما زاد الطين بلة استقدام لوفود غفيرة وكيانات اجتماعية غريبة عن النسيج الاجتماعي والثقافي والحضاري مهجرة من مدن وقرى بعيدة عن المنطقة تحت سمع وبصر السلطات إن لم يكن بتوجيه وتحريض ودعما منها، باستخدامها كورقة انتخابية مهمة مرجحة لهم، من جهة جعل سكان المدينة الأصليين أقلية لا قدرة لهم على فرض من يمثلهم في تسيير الشأن المحلي، ومن جهة ثانية متاجرة في معانات سكان الصفيح واعتبار الأراضي الممنوحة ممن لا يملك لمن لا يستحق كشجرة التي تخفي غابة من الفساد وشراء الذمم ونهب الأراضي ،” الخروقات الكبيرة التي شابت عملية توزيع الأراضي في حي الروافة، “توقيف مقدمين كشماعة على الفساد الذي عرفته العملية وليس فتح الملف ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين عن هكذا فساد ووقف استنزاف الأراضي التي تسحب تحت أقدامنا، وما يقال عن حي روافة يقال عن بقية الأحياء القصديرية”، بالإضافة إلى إثقال كاهل العرائشي بمعضلة متفاقمة والتي أصبحت بمثابة القنبلة الموقوتة
وحجرة عثرة أمام كل تطور وتنمية منشودة ومستنقع للفقر والجهل والبطالة وبؤرة للعنف و للجريمة وزنا المحارم ومرتع خصب للمخدرات والإدمان والتطرف، بالإضافة إلى الأوبئة والأمراض النفسية الكثيرة والمخاطر الصحية الكبيرة ناهيك على الانحرافات السلوكية والأخلاقية والانغلاق الثقافي والاجتماعي.
ما جعل هذه الوريدة “العرائش” وكأنها زهرة في يد المقتطف يعصر أوراقها عصرا لينعم بشذاها، فشحب لونها وانطفأ شعاع تراثها وغاض نهر ثقافتها وحضارتها، فكسدت سلعتها في سوق الجمال، وطمع فيها من لم يكن يجرأ أن يطمع من قبل، وخلع الناس جلباب الحياء وانهارت القيم، وهو ما يفسر تلك الرداءة في التصور والعقلية الخرسانة “رخص لعمارات متطاولة البنيان حجبت البحر والشمس على الأزقة بدون مراعاة الخصوصية المجتمعية ومعمار المدينة الموريسكي، فعطلت فينا الحواس وأفقدتنا الإحساس بالذوق والجمال.
فالعرائشي قبل أن يكون ضحية لخداع السلطة السياسية له عبر السنين، استغلوا بساطته وسماحته وطبيعته الاجتماعية، وقيمه وآدابه الرفيعة لا يستره إلا الشرف ولا يسد جوعه إلا الكبرياء، كان ضحية للأكاذيب والإشاعات المغرضة التي رسخت في الأذهان كونه لا يعمل ولا يريد أن يعمل، ليكون لقمة سائغة للذئاب المفترسة “سماعون للكذب أكالون للسحت”، وذلك بعدما أغلقوا عشرات المعامل للتصبير، مصنع النسيج “لاراطيكس”،معمل الشاي، مصنع السكر، معمل الأجور، معمل إيماصا للخشب، مطحنة لوكوس، معمل للجلود، معمل الليمون الذي كان تشتهر به المدينة ويصدر إلى كل بقاع العالم، معمل الفلفل واللوبيا ….واللائحة طويلة .بالإضافة ما فعله الرويبضة بتدمير لتراثنا وتهميشه، ليس باعتباره ضمير المدينة وذاكرتها الحية أو اعتباره الرأس المال المعنوي العظيم للمغرب الذي راكمته الحضارات المتعاقبة “1180ق.م” عبر تاريخنا الفينيقي، الروماني، الأمازيغي، الإسلامي بل بمثابته تراث الإنسانية قاطبة.
ليس من المعقول أو المقبول أن تكون المدينة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية ومحاطة بجماعة من أغنى الجماعات بالمغرب وأهلها فقراء، لم تفتح لهم أبواب الأمل في العمل والسكن، بل سدت في وجهه كل الأبواب وتركت مشرعة للكع بن لكع يتفنن في تحطيم معالمها العريقة بشكل منهجي، بل تعداه إلى نهب الأراضي الجماعية أو تفويتها، والتنعم بكريماتها ومقالع رمالها الذهبية ولم تسلم حتى غاباتها المتنفس الوحيد والفضاء الأوحد الذي يعوض النقص الذريع للمرافق الرياضية بقطع أشجارها وتحويلها إلى كثل إسمنتية حجبت الرؤيا ومزقت شرايين المدينة وأوصالها” إحداث وحدات سكنية بغابة لايبيكا ضاربين بعرض الحائط كل الأصوات المعارضة والمنددة من المجتمع المدني كان آخرها التنسيقية التي دعت إلى الوقفة في غابة لايبيكا المتنفس الوحيد للمدينة يوم الأحد 11مارس، ” فتسللت تداعياتها إلى نفوسنا وأثرت سلبا على حياتنا ولم يعد لنا سوى المقاهي التي باتت تضيق ضرعا بأصواتنا المبحوحة والأحاسيس المكلومة جراء ما يفعل بنا وبالمعشوقة التي تسكننا ولا نسكن فيها فقط، لكن سرعان ما تنفك تذهب تلك اللواعج أمام الغوص في تاريخها البهي والحديث الشجي عن الماضي القريب “حين كانت شوارعها تغسل، حدائقها تعج بكل أنواع الورود المعطرة ، فضاءاتها الترفيهية، أسبوعها الثقافي والفني المتميز، متحف رائع ،مسرحها المتفرد بالإضافة إلى قاعات السينما الثلاث، ملعب سانتاباربارا ،التنس والسلة ..وما المعهد الموسيقي الرائع سوى شاهد حي على الحقبة الذهبية للمدينة التي أصابتها اليوم شيخوخة مبكرة وتعرض أبناءها للظلم و جمعياتها للضيم ومفكريها وشعراءها للإهمال ومواهبها ومثقفيها للإقصاء والازدراء في الوقت الذي لازالت الإدارة تقبع في فساد منقطع النظير وتعاني من كل أشكال البيروقراطية ،الرشوة ،المحسوبية ،تبذير المال العام في إصلاح الإصلاح وسوء التدبير والتسيير الناتج عن نقص رهيب في الكفاءات رغم أن المدينة غنية بالطاقات التي بإمكانها أن تحقق مردودية أفضل لو أتيحت لها المجال لذلك .
نعيش في زمن أجدبت فيه المشاعر الإنسانية وتثلجت فيه العواطف النبيلة وصارت لمافيا العقار المتوحش الذي حول المدينة العريقة إلى مدينة مشوهة بتواطؤ مع المجالس البلدية المتعاقبة “بمن فيها المجلس الحالي الفاقد للشرعية” والسلطة وفي ظل صمت غير مبرر للأحزاب السياسية التي لا تفتح أبوابها ولا نسمع صوتها سوى في المواسم الانتخابية.
لله ذرك يا عرائشي يا من شوهوا وجهك المشرق وزيفوا ذوقك الرائع الأصيل .