الحمروني على يمين الصورة في مصاحفة مع المديرة المالية للملتقى الإقليمي للشعوب المغاربية
طالبت نجيبة الحمروني، نقيبة الصحفيين التونسيين بإعادة طرح بناء الاتحاد المغاربي مع وضع استراتيجية إعلامية مستمرة يتبناها مجموعة من الإعلاميين في المنطقة حتى لا تترك هذه المبادرة للمناسبات وللصدف، كما أكدت على أن المشهد الإعلامي في بلادها يعيش على إيقاع التجاذب بين رجل الإعلام ورجل السياسة الذي لم يتعود على هذه الحرية وعلى النقد والمحاسبة المستمرة التي يمارسها عليه الصحفي، من جانب آخر أعلنت من خلال موقعها كرئيسة لنقابة الصحفيين التونسيين أن الصحفي التونسي من السهل عليه أن يموت لكن من الصعب عليه أن يتراجع عن حريته.
كان هذا من خلال الحوار الذي خصت به “أكـورا بريس” على هامش الملتقى الإقليمي للشعوب المغاربية الذي انعقد بمدينة أكادير.
– من خلال مشاركتك ضمن فعاليات الملتقى الإقليمي الأول للشعوب المغاربية، ما هي قراءتك لمستوى النقاش الذي أطرته مختلف فعاليات المنطقة؟
بداية لا بد وأن أعبر عن سعادتي الكبيرة بمشاركتي في هذا الملتقى الذي أعاد طرح قضية وإشكالية الاندماج المغاربي ووحدة المغرب العربي، وأجده أنسب وقت لطرح هكذا قضية، لأن الشعوب العربية الآن هي من تفعل وليس الساسة من يفعلون، فبدءا من تونس ومصر وليبيا واليمن مع حلمنا بتحقيق الثورة السورية أهدافها بإسقاط نظام الأسد، نرى أن هذه الشعوب الآن هي من توجه قادتها إلى أهداف معينة، على المستوى الشخصي أتصور أنه لم يكن هناك إشكال في إقناع الشعوب بضرورة الوحدة المغاربية لأن كل المواطنين في المغرب العربي مقتنعون بضرورة هذه الوحدة نظرا لما يجمع بينهم من وحدة التاريخ، الجغرافيا، اللغة، بعض التقاليد وكذلك بعض الممارسات الثقافية والاجتماعية، وأعتقد أن المشترك المغاربي كان مكسبا منذ زمن وسيظل، لذلك من كان يؤجل عملية الاندماج المغاربي هم الساسة باعتبار الحسابات السياسية الضيقة والتجاذبات بين البلدان المغاربية وحتى من خارج المنطقة المغاربية كل هذه العوامل كانت تؤجل هذا المشروع لذلك كانت فكرة الملتقى الإقليمي للشعوب المغاربية فكرة مناسبة في وقت أنسب، ولسوء حظي أن مشاركتي كانت من خلال اليوم الثالث والأخير، ولكن من خلال مستوى النقاش تبين أن هناك مستوى ووعي كبير بدور المجتمع المدني في تحقيق هذا الحلم ولكن دون أن ننسى دور الإعلام، خاصة وأن التجارب الماضية لم تكن تضع استراتيجية إعلامية مواكبة للعمل السياسي، وأنا شخصيا طالبت بإعادة طرح البناء المغاربي مع وضع استراتيجية إعلامية يتبناها مجموعة من الإعلاميين في المنطقة المغاربية حتى لا نترك هذه المبادرة للمناسبات وللصدف بل استراتيجية تظل مستمرة لإثراء هذا الطرح ثم لأخذ آراء ومواقف من يرفض هذا الطرح باعتبار أن هناك أقلية ترفض الوحدة المغاربية وعلينا فهم لماذا؟ كذلك الشأن بالنسبة للأطراف الأخرى التي ترى ضرورة الانطلاق من الاندماج المرحلي خاصة على المستوى الاقتصادي حيث أن بلدان المنطقة تتوفر على موارد كثيرة يقابلها ما تعانيه هذه البلدان من بطالة وفقر وأوضاع اجتماعية صعبة، وأعتقد أن تحقيق الوحدة المغاربية اقتصاديا أسهل بكثير من باقي المجالات الأخرى، طبعا بالموازاة مع ذلك سيكون دور المجتمع المدني والإعلام اللذان سيشكلان وسيلتي ضغط على رجال السياسة ورجال القرار حتى نتجاوز الإشكال الوحيد المتمثل في قضية الصحراء التي يمكن تجاوزها من خلال مقترح الحكم الذاتي والجهوية الموسعة التي أعلن عنها المغرب ونحلم أنه في ظل هذا الربيع العربي أن نحقق ربيعا مغاربيا يطمح لخدمة مصالح ومطالب شعوب المنطقة.
– كيف تصفين لنا المشهد الإعلامي في تونس، خاصة وأن فترة ما بعد الثورة عرفت اعتقال مدير جريدة ومشاكل أخرى يعاني منها رجل الإعلام في بلدك؟
الصحافة في تونس طيلة حكم بن علي وحتى قبل فترة حكمه كانت تميزها سياسة القمع والتضييق على الحريات، كذلك كان هناك قمع للصحفيين والتحكم في الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية، كانوا المسؤولين على وسائل الاعلام على علاقة مع السلطة ومع العائلة الحاكمة، بن علي لم يكن يمنح رخصة صحيفة أو إذاعة أو قناة فضائية إلا لأهل البيت والحاشية المقربة ولأزلام النظام الذين نسميهم الآن “رموز الفساد الإعلامي” فهم من أجرموا في حق الصحافة وفي حق الصحفيين حيث وصل الظلم إلى حرمان المواطن التونسي من حقه في المعلومة، فطيلة تلك الفترة كنا نناضل بطريقة خفية نظرا لغياب الديمقراطية ولغياب حرية الصحافة وحرية التعبير.
الآن تغير المشهد طبعا بوجود عدد كبير من الصحف والمواقع الإلكترونية والإذاعات والفضائيات، هذا على مستوى الكمّ، أما على مستوى النوع فهناك الصحافة الجادة والصحافة التحليلية والإخبارية، لكن في نفس الوقت نجد اختلالات على مستوى المادة الإعلامية نظرا لأن المهنية غابت طيلة السنوات السابقة وهذا ما نتج عنه غياب أخلاقيات المهنة كذلك، لذلك نحن كنقابة ركزنا على عملية التدريب على عملية تناول الجانب السياسي وكذلك لا بد من طريقة علمية لتناول جلسات البرلمان لأنه في السابق كنا نتناول ذلك بطريقة رسمية جدّا، أما على مستوى قانون الصحافة فقد ركزنا منذ انتخاب المكتب الذي كلّفت برئاسته ركزنا الانطلاق بمنظومة تشريعية جديدة خاصة وأن مجلة الصحافة القديمة كانت فيها العديد من الفصول السالبة للحرية حيث كان يسمح لهذه الفصول بسجن الصحفي ومنعه من تناول مجموعة من المواضيع. وقد أصدرنا ما يعرف بمرسوم 115 ومرسوم ثاني يتعلق بحرية الإعلام البصري الذي ينص على تشكيل وإرساء هيئة تعديلية لإصلاح الإعلام السمعي البصري التي سيحقق نقلة نوعية في الفصل بين السلطة السياسية وبين الإعلام كسلطة رابعة، نحن الآن نعيش صراعا بين الجسم الصحفي والجسم السياسي لأن مثلما الصحفي لم يتعود على هذه الحرية فرجل السياسة كذلك لم يتعود على هذا النقد والمحاسبة المستمرة التي يمارسها عليه رجل الإعلام، والمواطن العادي لا زال يعيش على إيقاع هذه التجاذب الذي نعيشه كإعلاميين بفرحة كبيرة.
– قلت أن رجل السياسة الحالي لم يتعود على نقد رجل الإعلام، هل معنى هذا أن شيئا لم يتغير وأن الشعب التونسي أخطأ في اختياره للأشخاص الذين يمثلونه ويحافظون على مكتسبات ثورته؟
الشعب التونسي لم يخطأ في الاختيار وإذا عدنا إلى الإحصائيات سنجد أن حزب الأغلبية، وهو حركة النهضة فاز بمليون و400 صوت فقط من 7 مليون ناخب. لكن ما يطمئننا أمام هذه الديكتاتورية الناشئة أن عدد كبير من التونسيين لم يذهبوا للتصويت لأسباب مختلفة منها تذبذب أحزاب اليسار وصراعها من أجل زعامة اليسار والذي تسبب في تشتت الأصوات، حيث فازت النهضة بأقلية من الأصوات وهذه الأقلية هي من تكتب لنا دستورا. حاولنا إذن أن نجد نوعا من التوازن بين المجتمع المدني والإعلام كقوة ضاغطة وبين المجلس الوطني التأسيسي لأن كل نقطة يتم مناقشتها داخل المجلس الوطني التأسيسي يكون لها تأثير كبير على المواطن التونسي الذي أصبح مهتما بالشأن السياسي، أما بالنسبة للوزراء والحكومة الآن فهم لم يتعودوا على الممارسة السياسية الديمقراطية وفي ذهن كل منهم أن الاعلام في خدمة الحكومة وجاؤوا بهذا المفهوم القديم بالتوارث عن أنظمة حكم شمولية.
– لكن ما يمكن ملاحظته أن الإعلام لم يمنح الحكومة الوقت للعمل في تونس ما بعد الثورة؟
أنا أنظر إلى الأمر من زاوية واحدة، وهي أن رجل الإعلام يقوم بواجبه إذن على رجل السياسة أن يقوم بواجبه هو أيضا. الارتباك الحاصل من طرف الحكومة التونسية حاليا هو ناتج عن غياب استراتيجية واضحة ترسم العلاقة بين الإعلام والحكومة، لا أتهم هنا حركة النهضة ولكن ما رأيناه في الدول العربية عامة من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي أنها تفتقر إلى التقاليد الديمقراطية، إذن كما يتعلم رجل الإعلام ويخطأ ويصيب رجل السياسة أيضا يخطئ ويصيب ولكن هذا الأخير مطالب بالقيام بدوره وترك الصحافة تقوم بدورها، نحن في تونس لا نريد وصاية جديدة على قطاع الإعلام، وداخل نقابة الصحفيين التونسيين أعلناها أكثر من مرة “من السهل أن نموت لكن من الصعب أن نتراجع عن حريتنا”.
أكـورا بريس/ حــوار خديجة بــراق