وراء قمم جبال الأطلس المتوسط، المكسوة بالثلوج، تتذوق طعم حياة هادئة، تنعم باطمئنان ينسيك صخب العاصمتين الإدارية والاقتصادية، تلتقي أناسا يدخلون الدفء إلى الروح، وتقتبس من ملامحهم، التي أخذت أشعة الشمس والصقيع بريقها، ابتسامة وشجاعة، وقناعة وكرما.
كان الوصول إلى دوار تقجوين، الذي يعني اسم طائر أسود يشبه الغراب، عند الساعات الأولى من صباح يوم بارد، انخفضت درجة حرارته إلى أربع درجات تحت الصفر، لكنه مفعم بشوق ودفء الأهالي، الذي أذاب جليد رحلة شاقة، دامت ثماني ساعات. تجند نساء وشباب وشيوخ قبيلة أيت حنيني، في ليل مظلم وطقس بارد، لاستقبال قافلة، حملت حوالي
30 طنا من المساعدات، واحتضان صدور 200 متطوع بضمير حي، من الفضاء الجمعوي الأمل بالرباط، حملوا عطر أجساد، أنهكها الروتين والضجيج وصخب عالم لا يؤمن بالقليل، ولا يستسلم بسهولة للقضاء والقدر، الذي رمى بآلاف الأسر في نفق حياة قاتمة وراء الجبال، دون أبسط متطلبات حياة كريمة.
حين تتجول في «أزقة » دوار أيت حنيني، القابع بين جبلين على علو يفوق ألفي متر عن سطح البحر، تتدافع نحوك رائحة حياة استسلمت للجمود، وتستقبلك عيون براقة وابتسامة دافئة، وتسحبك أياد رسم عليها الصقيع والحطب خدوشا وتضاريس، لا تختلف كثيرا عن طبيعة المنطقة، نحو المنازل الطينية الشاحبة اللون، لتكتشف حياة وراء أربعة جدران،
محورها مدفأة حديدية، تجمع شمل أفراد الأسرة كل ليلة، لينعموا بدفء كؤوس الشاي المنعنع، وتجاذب أطراف حديث، يحلق بهم في عوالم لا يعرفون عنها سوى الأسماء التي تقفز إلى مسامعهم من حين إلى
آخر، ونحن نعلم أنه ليس من سمع كمن رأى، علما أن البعض يعتبر النظر غير كاف. كان فراق أطفال تقجوين المبتسمين للحياة، ونسائها المحملات بالرضع، ورجالها المكافحين، لحظة صعبة على الجميع، انهمرت خلالها دموع دافئة، وأشارت فيها أياد، كلفت المغادرين بإيصال مضمون رسالة إلى من يهمه الأمر، تقول «زورونا في السنة مرة ».
عثمان الرضواني: يومية “الصحراء المغربية” عدد الثلاثاء 6 مارس 2012