يعيش في المغرب حسب إحصائيات لوزارة والتخطيط والتوقعات الاقتصادية حولي 400 ألف طفل من الأطفال المتخلى عنهم، أما أطفال الشوارع فيقدرون حوالي 240 ألف طفل، أو بالأحرى 240ألف “قنبلة” موقوتة تتناثر في الشوارع والطرقات والكثير من الأماكن الكامنة بين ثنايا الوطن. هذه “القنابل” ليست سوى كثيرين من البنين وكثيرات من البنات بلا عائلة أو بعائلة بلا مأوى، بلا أدنى مقوم من مقومات وأسباب الحياة الحرة الكريمة المفترضة للمواطن في موطنه كأقل حق من حقوق المواطنة للإنسان في بلده و بين أهله المجتمع الكبير بأسره. تلك الظاهرة المتنامية المستمرة منذ أمد بعيد. يمتد الى سنوات طويلة مضت بلا حل.
وقد كشفت مجموعة من الدراسات التي أجريت حول “وضعية أطفال الشوارع” أن هناك العديد من العوامل المتداخلة التي أدت بالطفل إلى اللجوء إلى الشارع، أهمها التدني المستوى الإقتصادي للطفل، فقد تبين أن أسر هؤلاء الأطفال يعانون من التدني في الوضعية الإقتصادية حيث يتسبب الفقر في عدم قدرة الأسرة على رعاية أبنائها وتغطية احتياجاتهم الأساسية، فلا يجد الطفل غير الشارع، وأحيانا يطرد الأب إبنه للخروج إلى الشارع رغما عنه بحثا عن لقمة العيش حيث يتحمل مسؤولية علئلة بأكملها، مما يشعره أن الأعمال التي يقوم بها تفوق سنه، وغالبا نجد أن الأعمال التي يقوم بها تيسر له طرق الإنحراف وبالتالي الهروب من البيت تحثا عن فضاء حر.
كما أكدت نفس الدراسات أن التفكك الأسري له أيضا دور أساسي في خروج الأطفال إلى الشوارع، فغالبا يعيش الطفل بين أحضان أسرة يبدو أنها مستقرة لكن بين عشية وضحاها نجد الطلاق قد فكك نسيج هذه الأسرة، مما يسبب صدمة عنيفة للطفل ويهدم استقراره الداخلي فيجد نفسه قد انقسم قسمين، بين حاجته لحنان الأم من جهة، ولرعاية الأب من جهة ثانية. لكن الغريب في الأمر أنه قد يخير في أحد الطرفين، دون مبالاة بأن الطفل لا يستطيع الإستغناء عن أحدهما، وحتى إذا اختار أحدهما فيجد نفسه_ إلى غياب الشطر الثاني_ أمام قسوة زوجة الأب أو تسلط زوج الأم ليختار في الأخير التنازل عن الشطرين معا و الإرتماء في أحضان الشارع بحثا عن الشيء المفقود.
هناك أيضا علاقة بين تدني المستوى التعليمي وتشرد الأطفال، حيث أن أغلبيتهم لم يلتحقوا بالمدارس أو لم يتجاوز تعليمهم الصف الإبتدائي مما يؤدي إلى انعدام التواصل داخل الأسرة. كما أن الآباء لا يحفزون أبنائهم على التعليم لجهلهم بأهميته في حياة أبنائهم فيدفعونهم إلى الشارع للعمل بدل التمدرس.
إذن فأطفال الشوارع ما هم إلا ضحايا للمجتمع لان الأمر ليس باختيارهم-وهم عديمو آو ناقصو الإدراك والتمييز-أصبحوا أطفال شوارع بل الأسرة والمجتمع والحكومات قد جنوا عليهم ودفعوهم إلى ما هو عليه حالهم، هذا بسبب عدم توفير ما يحتاجونه من مسكن وغداء وكساء ورعاية وأمان والتي تعد من واجبات كل دولة وقد التزمت بضمانها وتوفيرها دستوريا .
وبدلا من أن يجري العمل على إصلاح الأخطاء وإزالة الأسباب التي أدت إلى أن يكون الطفل مشردا في الشارع والعمل على تأهيله وعلاجه وتخليصه مما أصابه من أمراض بدنية ونفسية واجتماعية ، لجأت الدولة إلى سن تشريعات خالية من أي نوع من أنواع الحماية لهؤلاء الأطفال وخالية من الإنسانية .فمن يستحق أن يدان هو المجتمع أسرا وحكومات وليس هؤلاء الأطفال. فلا أحد يستطيع لومهم لوما مباشرا، فهم ضحايا قبل أن يكونوا أي شيء آخر.
لقد أضحت ظاهرة أطفال الشوارع من الظواهر التي تثير قلق المجتمع المدني بالمغرب خصوصا أمام تناميها وازدياد عدد أطفال الشوارع بالمدن المغربية يوما عن يوم.
في الغالب لا تخلو مدينة مغربية من أطفال في حالة يرثى لها، خلقوا في ثوب الطفولة وتلونت أحلامهم بألوان سوداء، فقتلت همومهم براءة الطفولة وتركوا مقاعد الدراسة لتلقنهم الحياة أصعب الدروس.لا حياة آمنة تليق بهم ولا رب عمل يوفر لهم قوتهم اليومي..نظراتهم تستفز كل المشاعر الإنسانية، يحصلون على قوتهم بعد صراع يوم طويل، لم تتح لهم أدنى الفرص لتحقيق أحلامهم البسيطة.
وأنت تتجول في شوارع مدينتك حتما ستراهم هنا وهناك، سوف تجدهم في الساحات وعند المقاهي وفي محطات النقل وأمام دور السينما وكذلك في الأماكن المهجورة، أطفال بوجوه شاحبة، عيونهم غائرة وأجسامهم هزيلة ونفوسهم هدها الضياع وأتعبها الجوع لتموت في أعماقهم تلك المعاني والأماني الجميلة في الحلم بغد أفضل.
ففي ظل هذه الفئات من أطفال الشوارع تنمو الجريمة وتبرز ظواهر الشذوذ وتهان القيم الأخلاقية، وتنتشر الدعارة والمذلة وينمو الانحراف وتتوسع رقعة السلوكات الفاسدة وتظهر أيضا الأمراض الفتاكة والأمراض المعدية، وفي ظلها يأخذ الإدمان على الكحول والمخدرات وأقراص الهلوسة وشم “السلسيون” والغازات السامة موقعها في حياة أجيالنا الصاعدة، حيث بدأت طفولتنا تعيش أوضاعا قهرية تخرجها من طفولتها البريئة للبحث عن القوت اليومي لأسرتها وتفرض عليها معانقة الشارع وكل أسباب الانحراف الأخرى بدل معانقة التمدرس والألعاب والحدائق والقراءة…
استفحلت ظاهرة أطفال الشوارع مع بداية الثمانينات وخاصة مع تطبيق سياسة التقويم الهيكلي التي سعت الى تحقيق التوازنات الاقتصادية على حساب الخدمات الاجتماعية، ففي تلك الفترة كشفت ظاهرة أطفال الشوارع عن نفسها، في زحمة المشاكل الاجتماعية التي تولدت مع اتساع ظواهر الفقر والبطالة والأمية والهجرة القروية، حيث عرفت شوارع المدن الكبرى حركة الباعة االمتجولين وماسيحي الأحذية وباعة السجائر بالتقسيط، وأصناف عديدة من المهن الجديدة التي ولدت معها أعداد كبيرة من المهملين والمشردين.
أكورا بريس: إعداد سمية العسيلي