الأميرة للا مريم تترأس حفلا بمناسبة الذكرى الـ25 لبرلمان الطفل
إعداد: عبد السلام دخان وعماد الورداني ومحمد العناز
أخلص الشاعر سعدي يوسف للشعر مند ديوانه الأول” القرصان” الصادر عن مطبعة البصري ببغداد، وتجربته الشعرية التي راكمت أكثر من ثلاثة وأربعين ديوانا تعد اليوم بمثابة منجز شعري وجمالي رفيع ساهم في تطور التجربة الشعرية العربية على نحو متفرد. نال عدة جوائز تقديرا لإبداعه الشعري منها: جائزة سلطان العويس، والجائزة الايطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. و جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. إلتقينا به بطنجة أثناء زيارته للمغرب وكان لنا معه الحوار التالي. .
* الشاعر سعدي يوسف أنت الآن في مدينة طنجة، جُلت في شوارعها، ومقاهيها، ودروبها، وكَتبت عن هذه المدينة. ماذا يشكل لك هذا المكان باعتباره موضوعا شعريا؟
عندما جئت إلى طنجة كنت قد فكّرت قبل مجيئي بزمان طويل في أن تكون زيارتي شخصية وخاصة، وأن أتيح لنفسي فرصة التمتع بحرية الشخص المجهول، أعني أدور في المدينة في أزقتها أجلس في المقاهي في الحانات أتعرف بأناس جدد،أتصل بجميع أصدقائي فيها. بالتأكيد تاريخ المدينة يشكل دائما هاجسا حاضرا لدي: التاريخ الثقافي، التاريخ السياسي الناس الذين مروا بها وأقاموا فيها، هذا كله جزء من بانوراما المدينة. أنا الآن أكاد أكمل شهرا في طنجة، سعيد بهذا الشيء وسعيد أيضا لأني كتبت فيها عشر قصائد مهداة إلى المدينة.
* يشكل المكان مكونا أساسيا في نصوصك الأخيرة، هل المكان يعد الآن جزءا من الهوية المشتركة بينك وبين هذه المعالم المتعددة سواء هنا في المغرب أو في البلدان الأوربية أو العربية؟
إن التأكيد على المكان ليس شيئا جديدا، لكني الآن أكثر تشبتا ببه ربما لأنه لدي رد فعل شديد إزاء ما يبدو من انقطاع عن الحياة في كثير من النصوص الشعرية التي تنشر، وهذا رد الفعل جعلني أكثر تمسكا بالمكان الذي أعتبره عاملا فنيا وليس ديكورا للنص، هو فاعل بحد ذاته المكان عنصر مثل اللغة مثل الصورة، المكان نفسه هو عنصر فني؛ إنه مكون وليس هامشا المكان ليس مكانا المكان فاعل في النص باعتباره عنصرا جماليا هاما وأساسيا.
*هل يمكن القول أن التحول الجديد في مفهوم القصيدة؛ أي الانتقال بالمكان من عنصر مؤثث إلى عنصر فاعل في تكوين القصيدة يشكل ملمحاً أساسيا في تجربتك الشعرية ؟
الاهتمام بالمكان، واعتباره أساسا في بناء النص الشعري، ليس أمرا جديدا؛ أنا من الناس الذين يحترمون امرؤ القيس تماما وأستشهد به دائما في جماليات النص الشعري العربي، هذه الجماليات التي نسيناها مع الزمن؛ معنى ذلك أن الاهتمام بالمكان وبالطبيعة اللامجاز إذا كان يصح لنا الاستعارة في أدناها يعني أن العالم عند امرؤ القيس ليس عالم استعارات إنه عالم حقيقي. وهناك شيء أنا طورته مع الزمن أدعوه استخدام اللغة المادية. هذه اللغة المادية تعتمد على الإسم الجامد وعلى الفعل وتتحاشى مئة بالمئة استعمال المصدر في النص لأن المصدر ليس مادة خامة، أعتقد أن الشاعر كالنجار وكالنحات يستخدم الحجر مادة خام الموسيقي لديه سلم موسيقي ومادة خام، والشاعر باعتباره فنانا ينبغي أن يتناول المادة الخام التي يشتغل عليها ويحور ويغير، ومن هنا تنبع أشكال الاهتمام بالمكان باعتباره يستوعب اللغة المادية هذه الأخيرة ضرورية لأننا نقول هذا باب، وهذه طاولة..أنا إذن بصدد تكوين علائق بين هذه المادة الخام وأعيد تشكيلها وأقدمها بطريقة تأويلي للكون.
* هل يمكن القول إن القصيدة لديك هي تأويل للعالم على نحو شعري؟
هي تأويل؛ لأنها محاولة تغيير، لأن الفن لا يقبل الواقع كما هو؛ الفنان يغير والفن عملية نقدية كبرى وهائلة تريد أن تعيد تشكيل الكون، تعيد تشكيل عوائد البشر وطريقة تصرفهم. الفن يريد أن يرهف الحواس أكثر فأكثر يعني يجعل سماعنا أرق وأدق بالموسيقى يجعل عيوننا أكثر تدريبا على اللون والرسم وهكذا والملمس إلى آخره. فأنا ضمن هذا الاتجاه أعيد تشكيل العالم.
* تجربتك الشعرية في مرحلة السبعينيات كانت تراهن على قضايا معينة، لتعبر عن صوت الذات الشاعرة في ارتباطها بقضايا مثل الوطن وقضايا فكرية إلى غير ذلك، لكن الآن نلاحظ على أنك تراهن على نقل الأحاسيس الإنسانية في علاقتها بالزمان وفي علاقتها بالعالم. ما مرد هذا التحول ؟
أحيانا في فترة التحولات الكبرى أو ما تبدو فترة تحولات كبرى. أنا أشعر أن الشاعر يحس بمسؤولية عامة، ولا يريد أن يتخلى عن هذه المسؤولية العامة، فيدخل في المعمعة بالصوت العالي، وهذا يحتاج إلى جماليات مختلفة، يحتاج إلى بيان مختلف يحتاج إلى صوتية .يحتاج إلى ما أسميه استخدام اللفظ النعت والحال والإضافة..ولكن عندما تنتهي هذه الفورة الكاذبة في معظم الأحيان، أنت تعود إلى الإشكالات الحقيقية في الفن. الفن دائما يقدم مسألة صعبة يقول لك أنت عاطفي جدا ..أنت كذاب جدا..أنت تحاول أن تخدع القارئ فشيئا فشيئا تتخلى عن كثير من الجماليات الملتصقة بغائية معينة وأنت تقول لا داعي لها.
* رسم البيان الشيوعي خطوطا، ومعايير محددة للمجتمع ولعلاقته بالسلطة. هل يمكن القول إن الشعر يرسم لحدود معين، ولتفاصيل دقيقة في بيانه اتجاه السلطة، واتجاه المجتمع؟
يصف امبرطو إيكو البيان الشيوعي بقوله: إنه أجمل قصيدة كتبها البشر. ومع أمبيرطو إيكو البيان الشيوعي هو نداء تغيير لازال مستمرا وفاعلا؛ لأن الأسئلة التي قدمهالم يجري حلها حتى بعد ثورة أكتوبر في روسيا. الشاعر لا يمكن إلا أن يكون قارئا للبيان الشيوعي على الأقل.
* هذا يعكس جانبا من التزام الشاعر بقضايا خاصة، لكن كيف يمكن لنا أن نربط بين هذه القضايا، وبين التجربة الشعرية ذات السياق المخصوص خاصة وأن هذه التجربة لدى سعدي يوسف مرت بمنعطفات سياسية كبرى كان لها الأثر الحاسم في تغيير مسار التجربة ككل؟
العمدية في اختيار الاتجاه ليست هي الحل الأمثل؛ أي أنك تصل إلى ما يبدو حلولا في فترات مختلفة، حتى هذه الحلول من الأفضل أن لا تعتبرها دائمة، لا حل دائم في الفن أبدا. كلما أفسحت مجالا للمراجعة كانت أحسن. لا استقرار في الفن على الإطلاق، معنى ذلك أن مراجعة الحياة نفسها كفيلة بالمراجعة، وليس شرطا أن تكون المراجعة فكرية، الحياة تقول لك هكذا ينبغي التصرف، هكذا ينبغي أن تخاطب الناس…أن ننتج قناعات. دائما لدي هذا الهاجس أريد للنص الذي أكتبه أن يصل. أقدم مفاتيح معينة إغراءات معينة للدخول في التأويل الصعب تبدو القصيدة يسيرة جدا وليس فيها شيء وقد تبدو فقط رصدا لمعالم خارجية . مستويات القراءة لها نصيبها ولها حقها في أن تتمتع بالنص أنت تكتب نصا ليس من أجل أن تتمتع به النخبة لا، وإنما من أجل شخص متوسط المعرفة شخص أقل تكوينا أيضا تتيح له مدخلا لقراءته ومفاتيح معينة وهذا ما يبدو خارجا أو ظواهر خارجية هو جزء من اللعبة الفنية لتقريب النص.
* تحدثنا عن علاقة النص الشعري بالتاريخ كيف تنظر إلى علاقة النص الشعري بالفلسفة إذا ما استحضرنا تجارب مثل علاقة هايدغر بهوردلين ؟
الشعر لصيق بالفلسفة، لكن مسلك الشعر يختلف عن طريق الفلسفة التي تتجه نحو التعميم بعد رصد الظواهر للخروج برأي أو بتصور عام للكون وللحياة. الشعر مدخله لأنه مرتبط بالحالة الفردية للظواهر المنعزلة التي تبدو لا علاقة بينها، والشعر يحاول أن يقيم بينها ويشيد تصوراً لعالم مختلف. وفي النهاية يلتقي الشعر والفلسفة في البحث عن تغيير، عن عالم مختلف.
*يعني هذا القول ان سعدي يوسف شيد مدينة جديدة لا إقصاء فيها لأي مكون؟
أن معنى باستعاب حضارة الإنسان لأستوعب منجزات العلم لذلك أتابع الفلسفة ، وأقرأ بغزارة، أتابع ما يحدث في العالم من تغيير، وهذا ينفعني بالتأكيد في سيرورة النص الشعري.
* ارتبطت ثورة 1968 بفرنسا بأراء سياسية وبتجربة شعرية خصبة. ألا يمكن القول إن الحراك الذي يشهده العالم العربي مؤخرا في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا والمغرب وغيرها من البلدان العربية له ما يوازيه من رؤى شعرية؟
المشكلة أنه ما بدا راديكاليا لم يكن راديكاليا بحق، ولهذا أنا لا أنتظر أي تعبير شعري عميق؛ لأن ما حدث كان سطحيا جدا..كان عملية جراحية سطحية، الجيش يحكم مصر والجيش يحكم تونس، والإسلاميون في الواجهة ومن بعد تبدو المسألة هكذا مثل فقاعة كبيرة لها انفجار ودوي، ولكن لما انفجرت هذه الفقاعة وجدنا أنفسنا أمام لاشيء، وهذه خيبة كبيرة، هذا كلام قلته مبكرا في القدس العربي لما نشرت أي ربيع عربي هذا؟ في وقت مبكر جدا وتلقيت نقدا لاذعا وهجوما إعلاميا علي. كيف وأنت راديكالي وأنت لا تؤمن…المسألة ليست هكذا أنا من حقي أن أقرأ ما يجري، أقرأ تاريخا معاصرا حياً. ويبدو أن قراءتي لم تكن بمعنى خاطئة ومتعجلة بالوصول إلى نتائج معينة لكن هذه النتائج تبثث الآن، وبالتالي توقعت أشياء تحدث الآن بالفعل.
*إذا عدنا إلى قصائدك الأخيرة نلاحظ أنها تراهن على نثرية باذخة، وعلى الاستعارة الكلية للقصيدة ككل ليس الاستعارة بمفهومها البلاغي الكلاسيكي. هل معنى ذلك أن الشاعر الآن يجدد طرائق الكتابة بهدف الوصول إلى القصيدة التي يحلم بكتابتها؟
المدخل الاستعاري التقليدي في النص الشعري مدخل خاطئ بلا شك، ولكن ربما نقول الاستعارة الكبرى التي تعني أن تحاول أن تصل إلى واقع ثان، أو أحيانا واقع ثالث. أي الإنطلاق من الواقع الأول المتسم بالقبح بغية الوصول إلى عالم مدروس بعناية لكي يكون جميلا، ولكي يستمتع به بني الإنسان.
*ترجم منجزكم الشعري إلى لغات عالمية: الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية وغيرها. باعتبارك شاعرا كيف تنظر إلى نصوصك وهي تسافر إلى لغات أخرى؟
على العموم أنا أشعر بسعادة بنصوصي عندما تكون في لغات أخرى، ونصوصي في اللغات لا تفقد من قيمتها الأساسية؛ لأنها بشكل ما تجنح إلى أن تكون ما يسمى بالشعر الملموس المحسوس وليست عندي جماليات بيانية أو خاصة باللغة العربية خاصة في فترة السنوات العشر الأخيرة، ولهذا فالنص لن يفقد شيئا، عموما النص يفقد في أفضل الترجمات حسب بعض الدراسات ثلاثين في المئة من قيمته في لغته الأصلية، لكني لا أشعر بفقدان الكثير.أنا دائما مرتاح عندما أجد نصي بلغة أخرى أحيانا أقوم بترجمت نصي إلى اللغة الإنجليزية ولكن من ترجمني لم يلق صعوبة. لهذا السبب أنا ليست عندي جماليات أو تخليت عن الجماليات البيانية. وأعني الصوت العالي أو ماشابهه لقد تخليت بالتدريج عنها. الجماليات هامة ولكن مع الزمن وجدت أني أستطيع الاستغناء عنها، بأشياء أخرى.
* الشاعر سعدي يوسف من الشعراء الأوائل الذين استفادوا من التقنية الإنترنيت بشكل أساس، نشرت نصوصا في مواقع إلكترونية لديك حساب في الصفحة الإجتماعية في الفايس بوك..ماذا أضافت لك التقنية في تجربتك؟ وهل يمكن اعتبارها بديلا عن النشر الورقي؟
أنا الآن نشرت حوالي ثمانين كتابا، و ستغرب أن أقول لك أني لم أقبض درهما واحدا عن الكتب الثمانية التي نشرتها، فكرت في أحد الأيام قلت صحيح أني أنشر كتبي المطبوعة ولكن هذا الكتاب الذي يطبع 1000 نسخة أو في الأحسن 2000 نسخة هذه دورة كتاب بطيئة جدا، وما في النظام السياسي والتجاري العربي حواجز أمام دخول الكتاب ورقابات متعددة بحيث أن 2000 نسخة قد تستغرق سنوات حتى تباع. أولا أنا الآن أتيح فرصة للناس لقراءة أعمالي، وأتيح لنفسي بأن أكون مع الناس وأيضا أخلصهم من قبضة الناشرين (يضحك عاليا) يستطيعون تحميل دواوين كاملة من الموقع . إنها خدمة متبادلة أنا أخدم قارئي ليس بشكل افتراضي لأنه قارئ حقيقي.لقد وجدت مثلا في هذا الصباح أن قراء قصيدة “ريتس أطيل” أكثر من 4000 قارئ. لم أطبع ديواناً بأربعة آلاف نسخة فكيف بقصيدة واحدة في ظرف ثلاثة أيام وصلت إلى 4000 قد تصل إلى خمس آلاف وهذا حلم وأنا حريص على هذا الشيء الذي أواصله يوميا.
* في فترة معينة صرحتم بكون التجربة الشعرية الرائدة ستكون من المغرب العربي، في فترة هيمنة ما يسمى بالنشر الورقي. الآن بعد دخول التقنية. ما هو تقييمك لهذه التجربة الشعرية ؟
راهنت على التجربة الشعرية المغربية قبل حوالي عشرين عاما، وكانت القصيدة العربية في الشرق الأوسط والمنطقة العالمية قد وصلت إلى طريق مسدود، والشعراء كلهم صاروا يشتغلون في الصحافة؛ إذا دخلت إلى لبنان مثلا كل الصحافيين شعراء وكل الشعراء صحافيون، وهذا شيء يؤثر سلبا على حرية الشاعر. هنا في المغرب، المسألة مختلفة لأنه لا يوجد احترام في الصحافة أصلا. الصحافة ليست إمبراطورية راسخة مثل بعض الإمبراطوريات الصحافية في الشرق الأوسط، ولا تدفع أجورا للناس وإذا دفعت تدفع شيئا تافها الناس تفضل أن لا تشتغل في الصحافة. من هنا يظل الشاعر في المغرب يتمتع بحرية أكثر بقدرة على الاشتغال، بقدرة على أن يكون مستقلا، يشتغل في التعليم هذا شيء يعطيك وضعية ذات استواء معين أنت تتصرف هكذا لكنك لست في حاجة أن تبيع نصك. أنت لست بحاجة إلى أن تكون كاذبا أو تتلملق أحدا..كلما صار المبدع مستقلا صرنا ننتظر أعمالا إبداعية وأنا مازلت أراهن على أن الحرية المكتسبة لدى المبدع المغربي لا تزال هي الضمانة للنصوص المقبلة لن أقف لأجزي لنفسي التحدث بتفصيل عن الساحة الشعرية الآن في المغرب ليس لي حق في هذا لأن اطلاعي لا يزال محدودا، واللوحة ليست متكاملة لدي لكن لي ثقة في هذا الشيء ضمن هذه النظرة الاجتماعية الثقافية المنتجة للنص في المغرب.
*كلمة أخيرة عن طنجة؟
صباح الأحد في طنجة
مقتطف من شعر سعدي يوسف
في الهواء قواقعُ بحريــةٌ
رَخَويّاتُ ماءَينِ أسماهُما قومُنا الـمتوسِّطَ والأطلسيّ …
كأنّ قماشاً نقيعاً يلفُّ المدينةَ ،
والناسُ شِبْهُ سكارى
وما هُم سكارى …
يقولُ ليَ الفندقيُّ : المدينةُ مخنوقةٌ .
قلتُ : طنجةُ قد أحيَت الليلَ ،
والآنَ يحلو لها أن تنام …
ولكنني سوف أمضي إلى الشاطىء المتطاوِلِ حيثُ الـمـدافعُ ،
لن تتبدّى ليَ أندلُسٌ في البعيدِ :
الهواءُ قواقعُ
أمّا النوارسُ فهي التي تجعلُ الأحدَ الجـهْـمَ أضغاثَ عِــيـــد …
طنجة 26.06.2011