نظمت جمعية طب الإدمان والأمراض ذات الصلة، يوم السبت بالدار البيضاء، مؤتمرا تمحور بالأساس حول “الأزمة الصحية والصحة النفسية.. ما السبيل إلى الحد من المخاطر؟”.
وخلال أشغال هذا المؤتمر الثالث، استعرض مختلف المتدخلين من أطباء وأساتذة جامعيين وخبراء في علمي الاقتصاد والاجتماع، فضلا عن فاعلين في مجال الأمراض النفسية، وجهات نظرهم المتقاطعة بشأن هذا الموضوع.
وبهذه المناسبة، قالت الطبيبة المختصة في الأمراض النفسية ومعالجة الإدمان، ورئيسة جمعية طب الإدمان والأمراض ذات الصلة، ونائبة رئيس المركز الإفريقي للأبحاث الصحية، إيمان قنديلي، إن الجمعية تنظم هذا المؤتمر الدولي الثالث، بشراكة مع عدد من الشركات الطبية وشركاء آخرين ومساهمة متخصصين، للتدبر معا في جملة من المواضيع ذات الصلة بالصحة النفسية وكوفيد 19، فضلا عن الحماية الاجتماعية، والوقاية من المخاطر والحد منها.
وتطرقت، في هذا السياق، إلى إحداث مرصد للصحة النفسية والاجتماعية بإفريقيا يهدف إلى التفكير في الصحة بطريقة منسقة بالمغرب ومن خلاله في كل أنحاء إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مضيفة أن الجائحة كشفت عن مدى أهمية التدابير الوقائية في الحد من مخاطر تفشي العدوى.
وأبرزت السيدة قنديلي، متحدثة في إطار المائدة المستديرة الثانية تحت عنوان: “الصحة النفسية.. الحقائق الوبائية والحماية الاجتماعية”، أن “كوفيد” دفع إلى إعادة التفكير في مفهوم الصحة.
وفي مداخلتها حول “الوقاية والإقلاع والحد من المخاطر: التدخين والسكر – صياغة دليل صحي”، أشارت السيدة قنديلي إلى أن منظمة الصحة العالمية تعتبر السكر والتدخين “قاتلين متسلسلين”، مسجلة أن الأضرار الناجمة عنهما لا تزال قائمة، وتشكل عوامل خطر.
وحذرت من كون عوامل الخطر هذه لا يقتصر تأثيرها على الصحة الفسيولوجية فحسب، بل يتعداها ليمس كذلك الصحة النفسية، مشددة، في هذا الصدد، على ضرورة إعادة التفكير في الأمور بشكل استباقي، وذلك قصد الادخار في الميزانية.
من جهة أخرى، أعلنت السيدة قنديلي عن إصدار بيان باللغتين الفرنسية والإنجليزية سيتم تقديمه الأسبوع المقبل بواشنطن من أجل التفكير في مستقبل سياسات الصحة العمومية.
وأوضحت، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا البيان، الذي تمت صياغته تحت إشراف كل من إيمان قنديلي وعبد الحق نجيب وجلال توفيق، والذي يشمل 28 مؤلفا، هي مبادرة مغربية بتعاون مع خبراء من خلفيات مختلفة.
ويقدم هذا المؤلف نظرة شاملة عن السبل الكفيلة بالحد من المخاطر في قطاع الصحة (بجميع تشعباته) للأطر الطبية وللمواطنين التواقين للحصول على كتب مرجعية من شأنها مساعدتهم على حماية أنفسهم بشكل أفضل وتخطي الأزمات الصحية الخطيرة التي تهدد الإنسان.
كما يقدم جملة من الكفاءات التي أثبتت نجاعتها وخبرتها بناء على سلسلة من الدراسات من خلال نصوص معمقة وتفسيرية، وأحيانا تعليمية، تتسم بلغة بسيطة حتى تكون في متناول أكبر عدد ممكن من القراء داخل المغرب وخارجه.
وعلاوة على ذلك، تطرقت السيدة قنديلي إلى التوقيع على ميثاق ائتلاف بين عدد من الجمعيات والجامعات بهدف إحداث لجن للتأمل والتفكير، معلنة عن تنظيم أول مؤتمر حول الصحة والحماية الاجتماعية، في شتنبر 2022 بدكار، لصياغة دلائل كفيلة ببلورة توصيات للأطباء والسياسيين، تتعلق بمواضيع تشمل بالأساس فيروس كوفيد، والإدمان، وداء السكري، والتبغ والسكر.
واستحضرت السيد قنديلي، في مداخلة أخرى لها في إطار المائدة المستديرة الأولى بعنوان “الجائحة والإدمان والاضطرابات النفسية”، المستجدات العلاجية في حالات الاكتئاب الشديد، مشيرة إلى أنه في ظل أزمة كوفيد، شهدت الأمراض النفسية عبر العالم، خاصة الاكتئاب والميول الانتحارية، ارتفاعا بنسبة 30 في المائة.
وفي هذا الصدد، أكدت قائلة “نحن أفضل حالا في المغرب لكوننا دبرنا الأزمة المرتبطة بكوفيد بشكل جيد. وبفضل القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أضحى المغرب نموذجا يحتذى به على مستوى العالم”.
وشهدت أشغال هذا المؤتمر مداخلات أخرى، منها تلك المتمحورة حول موضوع “الحياة الصحية والتبغ والصحة الجنسية”، والتي أكد خلالها البروفيسور رضوان ربيع، المتخصص في جراحة المسالك البولية ورئيس الجمعية المغربية لجراحة المسالك البولية بالمنظار، أن أزمة كوفيد-19 كان لها تداعيات ليس فقط على الصحة النفسية، وإنما أيضا على الصحة البدنية.
وسلط السيد ربيع، الخبير في الصحة الجنسية وأحد رواد جراحة المسالك البولية بالمنظار في المغرب، الضوء بالأساس على أهمية الصحة الجنسية في مكافحة القلق.
من جانبه، قال محمد برادة، الأستاذ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إن جائحة كوفيد-19 لها تداعيات اقتصادية واجتماعية وأخرى تهم الصحة العقلية والنفسية-الاجتماعية للساكنة، الأمر الذي يستدعي دعما محليا أو خارجيا لضمان حماية أو تعزيز الرفاه النفسي-الاجتماعي.
وفي مداخلته حول “كوفيد-19 والصحة النفسية-الاجتماعية.. المتطلبات”، أبرز السيد برادة، وزير الاقتصاد والمالية الأسبق، أنه لا يمكن أن يكون هناك حل واحد للاستجابة لاحتياجات الصحة الذهنية والدعم النفسي-الاجتماعي للسكان، مضيفا أنه إذا كانت الأزمة الكونية قد علمتنا أن نعيش معا دون أن نكون مجتمعين، وهددت مصير البشرية جمعاء، جراء التفاعل الناجم عن ظاهرة العولمة، فإن الإنسانية في ظل زخم التضامن وقليل من الحب، يمكنها أن تثير في هذا العالم المضطرب سياسة حقيقية للإنسانية.
وتوج هذا المؤتمر، التي تخللته جملة من المداخلات الأخرى في مواضيع مختلفة من قبيل “كوفيد-19 والصحة النفسية.. دور الطبيب العام”، و”الآفاق الصحية في الحماية الاجتماعية”، و”الصحة النفسية والحماية الاجتماعية”، بتكريم البروفيسور محمد برادة، الذي عين رئيسا فخريا لمرصد الصحة النفسية والاجتماعية بإفريقيا.