يومية بريطانية تسلط الضوء على المؤهلات التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا
في مسار متصل للإجهاز على عناصر الوحدة الوطنية التي تشكلت عبر تراكمات التاريخ والذاكرة تطلع علينا في كل مرحلة عناوين جديدة وأساليب شتى من محاولات القضاء على المشترك الجمعي. ولأن الأمر لا يتوقف عند المطالب اللغوية والثقافية، كما قلنا دوما، بل يروم تفتيت الكيان وإعادة رسم الخريطة الوطنية في أفق تجزئ المجزء فقد تحرك قلة من الشباب للمطالبة بتغيير مسمى “المغرب العربي”. وبالطبع وجدت هذه الدعوى القديمة/ الجديدة من يساندها نظريا وقوليا من أصحاب الهوى الاستئصالي في مسار طويل لفصل المغرب عن عمقه الإسلامي والعربي. حلقات متصلة من التشتيت التي تجعلنا دوما نسائل خيوطها الخفية: من نقاش حول اللغة والثقافة، مرورا بزعزعة ثوابت التاريخ وأصول المغاربة وعائلاتهم، وعقيدة الإسلام ورسوله الأكرم…والآن الحديث عن انتماء الوطن وهويته. سلسلة طويلة والغاية واحدة.
يتذكر المغاربة أنه عندما أعلن محمد بن عبد الكريم الخطابي تكوين “لجنة تحرير المغرب العربيّ” فقد أسسها على مرتكزات مبدئية تثبت فهمه للانتماء الموحد لأقطار المنظومة المغاربية. “المغرب العربيّ بالإسلام كان، وللإسلام عاش، وعلى الإسلام سيسير في حياته المستقبليّة، المغرب جزء لا يتجزّأ من بلاد العروبة، وتعاونه في دائرة الجامعة العربيّة على قدم المساواة مع بقية الأقطار العربيّة أمر طبيعي ولازم، الاستقلال المأمول للمغرب العربيّ هو الاستقلال التام لكافة أقطاره الثلاثة (تونس والجزائر ومراكش….”. ونفس الفهم كرره رئيس الجمهورية التونسية منصف المرزوقي حينما أقر أن مصير تونس أو أي بلد عربي لا يصنع داخل حدوده فقط بل في تماهي مع دول الانتماء المشترك. فالفهم العميق لمضمون الانتماء، بعيدا عن الانفعالات الوجدانية المسخرة والتي ترتكز على شعارات كلامية لا أساس لها ، يمكن إثبات الحقائق التالية:
- العروبة ليست انتماء عرقيا ولكنها انتماء حضاري وثقافي وجيو ستراتيجي. “ألا إن العربية ليست بأب ولا بأم ولكن العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي” كما في الحديث النبوي. والمغاربة اختاروا اللغة القرآنية التي ضمنت لهم وجودهم وامتدادهم الحضاري دون الانصهار في الكيانات السياسية والثقافية التي مرت من هذه الأرض.
- ليس حذف صفة العروبة من مسمى المغرب بالأمر الهين الذي يمكن أن يتصوره بضعة الشباب الواقفين أمام قناة ميدي1 بل إن الأمر يعني من ضمن ما يعنيه قطع العلاقات مع الجوار الإقليمي والسياسي، لأن الأمر لا يتعلق بلفظة عارضة بل بمنظمة إقليمية يعني الانتماء إليها الحفاظ على تسميتها. فهل يمكن لأي دول أوربية أن تطلق على الاتحاد الأوربي تسمية خاصة بها؟ وتصوروا أن دولة خليجية تسمي مجلسها بمسمى آخر فما تكون النتيجة؟.
- قوة المغرب في انتمائه. فبالقراءة الاستراتيجية المبسطة التي تستحضر عناصر القوة الذاتية يمكن القول أن المغرب بدون عمقه الحضاري يفقد مبررات وجوده. فعلاقته بالقضية الفلسطينية التي جعلها قضية وطنية وتأثيره في الساحتين العربية والإسلامية عبر اللجان والمنظمات الدولية وعلاقته بالاتحاد الأوربي والقوى المتقدمة تضمحل كلما انكفأ داخل ذاتية القطرية التي تفقده الارتباط بجواره وبالعالم. وبقليل من التأمل يمكن أن نلحظ أن التعامل مع المغرب لا يتم في القضايا الكبرى إلا داخل فضائه الاستراتيجي: قمة أوربا والعالم العربي، قمة تركيا والعالم العربي…..
- المغرب العربي قوة إقليمية تجمع دولها عناصر الجغرافيا والموارد البشرية والثقافة وروابط الدين واللغة والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك. ومن أنكر ذلك فهو ينكر ذاكرة مشتركة وانتماء ثقافيا والعروبة لا تعني القضاء على التعدد لكنها تعني الاعتراف بمركزية العروبة والاسلام في الانتماء.
- ليس الإعلام المغربي وحده من يستعمل المصطلح بل هو مشاع في جل القنوات والإذاعات والمواقع العالمية. فقناة فرانس 24 وقناة العالم الإيرانية وراديو سوا وموقع ياهو وهوتميل … كلها تقدم نشرات يومية وأسبوعية تحت مسمى أخبار المغرب العربي ضمن الأخبار العربية أو في زوايا خاصة. فهل هذا غباء منها أم هو فهم عميق لموقع المغرب الحقيقي الذي يضيع إن انغلق في قطريته الضيقة؟
إن فكرة المغرب العربي لم تعد قابلة للرد وإعادة الطرح الشعاراتي والجدال الهوياتي بل هي ضرورة تاريخية وسياسية فرضتها أحداث الربيع العربي وتداعياته التي ربطت وجدانيا بين ابناء الأمة والانتماء. وكما قال الأستاذ عبد الإلاه بلقزيز: ” إذا لم يكن في وسع الإسلاميين أن ينجزوا أي شيء مما وعدوا ناخبيهم به إلا إعادة تفعيل “اتحاد المغرب العربي”، فسيكونون – قطعاً – قد أنجزوا شيئاً ذا قيمة يُذكر لهم ويُذكرون به”. فالأولى البحث عن عوامل النهوض بالاتحاد بدل مساءلته، لأن وجودنا يتحدد بوجوده.